وفيها: كانت سرية عمرو بن العاص إلى ذات السَّلاسِل (?)، وهي وراء ذات القُرى، وبينها وبين المدينة عشر ليالٍ في جمادى الأولى، وقيل: كانت قبل غزاة مؤتة.
قال أبو محمد ابن حزم: بلغ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن جَمْعًا من قُضاعةَ قد جمعوا للغارة على المدينة، فعقد لعمرٍو لواءً أبيضَ ورايةً سوداءَ، وبعث معه ثلاث مئة من المهاجرين والأنصار، فبلغه أن القوم في جمع عظيم، فبعث رافع بن مَكِيْثٍ الجُهَني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمدُّه، فأمدَّه بأبي عبيدةَ بن الجراح - رضي الله عنه - في مئتين من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر رضوان الله عليهم، وإنما أمَّرَ عمرو بنَ العاص وقدَّمه على من ذُكِرَ لأنَّ جَدَّته أمَّ العاص بن وائل من قُضاعة، وقيل: من بَليٍّ، وأمَّره لهذا المعنى، وأوصى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أبا عبيدة - رضي الله عنه - أن لا يخالف عمرًا فأدركه بأَرْضِ جُذام بذات السلاسل، وجاء وقت الصلاة فتقدم أبو عبيدة، فقال عمرو: أنا الأمير وأنت جِئْتَ مَدَدًا، فقال: يا عمرو، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني وقال "لا تختلفا"، فإن عصيتني أطعتك، دونَك فصلِّ بالنَّاس، فصلَّى، وساروا نحو القوم فهربوا، فغنم المسلمون أموالهم وبعثوا بها إلى المدينة، وكتب عمرو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا يخبره بهزيمةِ العدو وَوَطْءِ بلادِهم، وأنْفَذَهُ مع عوف بن مالك الأشجعي (?).
وقال عمرو: لما بعثني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ ذاتِ السلاسل، فاحتلمتُ في ليلةٍ باردةٍ شديدةِ البَرْد فأشفقت إنِ اغتسلتُ أن أَهْلِكَ، فتيمَّمْتُ ثم صلَّيْتُ بأصحابي صلاةَ الصُّبحِ، فلما قدِمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرتُ له ذلك فقال: "يا عمرو صلَّيْتَ بأصحابكَ وأنت جُنُبٌ؟ " فقلت: نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إنِ اغتسلتُ أن أهلِك، وذكرت قولَ الله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فتيممت ثم صليت، فضحك ولم يقل شيئًا (?).
قال ابن إسحاق: ومنع عمرو أصحابه أن يُوْقِدوا في تلك الليلة نارًا وكانت ليلة