قال الزهري: فحدثني أسقفٌّ للنصارى أدركته زمن عبد الملك بن مروان أنه أدرك ذلك من أمرِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهرقل وعَقَلَهُ قال: لما قدم عليه دِحْيَةُ بكتابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى صاحب له بروميَةَ كان يقرأُ الكتبَ يخبره بأمر الكتاب ويصف له ما فيه، فكتب إليه صاحبه وكان يكتب بالعبرانية والعربية: إنه النبي الذي كنَّا ننتظره، لا شك فيه فاتَّبِعْهُ وصدِّقْهُ، فجمع بطارقته في دسكرةٍ (?) ثم أغلق الأبواب واطَّلع عليهم من عُلِّيةٍ له، فخافهم على نفسه، وقال: يا معاشر الروم إنه قد أتاني كتابُ هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله النبي الذي كنَّا ننتظره ونجده في كتبنا فهلموا نصدِّقه ونتَّبِعه فتسْلَم لنا دُنْيانا وأُخرانا. قال: فنخروا نَخْرةَ رجلٍ واحد، ثم ابتدروا الأبواب فوجدوها مغلَّقةً فردَّهم وقال: إنَّما اختبرتكم فسجدوا له ورضوا عنه.
وقال ابن إسحاق: قال هرقل لدحية: والله إني لأعلم أنه نبي ولكني أخاف على نفسي، ولكن اذهب إلى ضغاطر الأسقف واذكر له أمر صاحبك.
فجاء إليه دِحيَةُ وعرَّفَهُ صفةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما يدعو إليه فقال: هذا صاحبك والله نبي، وهو الذي نجد صفته في كتبنا، ثم دخل بيتًا فنزعَ السواد عنه واغتسل ولبس ثيابًا بيضاء وأخذ عصاه وخرج إلى الروم في الكنيسة فقال: يا معاشر الروم إنه قد جاء كتاب من أحمد يدعونا فيه إلى الله تعالى، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن أحمد عبده ورسوله. فوثبوا إليه فقتلوه، فرجع دحية إلى هرقل فأخبره بما جرى فقال: والله إن ضغاطر عندهم والله أعظم مني وأجوزُ قولًا، فكيف آمنهم على نفسي (?)؟ !
وفي رواية: أن هرقل قال لهم: هذا هو النبي المبعوث الذي بشر به عيسى وإني مُخيِّركم بين ثلاثةِ أَشياء: إما أن نَتَّبِعه فتسلم لنا بلادنا ودماؤنا وأموالنا، وإما أن نؤدي إليه الجزية فنكسر بها شوكته، وإما أن نصالحه على أرض سورية ويدع لنا الروم.
فقالوا: أما دُخُولُنا في طاعته فكيف نفعل هذا ونحن أكثر أموالًا ورجالًا وأبعد بلادًا، وأما أداء الجِزْية فكيف نعطي العرب الذل والصَّغارَ ونحن أَعزُّ منهم، وأما أن