وفي رواية: فقال له عمرو: فارجع فإنك شاب. فأغلظ له علي - رضي الله عنه - في القول، فغضب وعَرْقَبَ فرسه. ثم تجاولا ساعةً وثار بينهما الغبار، فانجلى عن عمرو وهو قتيلٌ، اختلفا ضربتين سبقه علي - رضي الله عنه - ففلق رأسه، ويقال: أن عمرًا جَرح عليًا -- عليه السلام - في رأسه، ولما قَطع يَدَ عَمروٍ انقضَّتْ عُقابٌ فأخذت كفه وفي خِنْصَرِه خاتمُه، فحملتِ الخِنْصَر وطارت إلى مكة فألقته فعرفته أُختُه، فقالت: قتل أخي. فلما عاد أبو سفيانَ إلى مكةَ، قالت: من قتلَ أخي؟ قالوا: علي بن أبي طالب، فقالت (?): [من البسيط]

لو كان قاتلُ عمروٍ غَيْرَ قاتِلهِ ... لطال حزني عليه آخر الأبدِ

لكنَّ قاتلَه مَنْ لا يُقادُ به ... من كان يُدْعى أبوه بيضةَ البلدِ

ولما قُتِلَ عمرو ولَّت خيولُ أهله وأصحابه خارجةً من الخندق منهزمة، وقتل معه رجلان: مُنَبَّه بنُ غَنم بن عبيد بن السبّاق بن عبد الدار، أصابه سهم فأثْخَنه فمات بمكَّةَ منه، ومن بني مخزوم نَوْفل بن عبد الله بنِ المُغيرة، وكان ممن اقتحم الخندق، فرمَوْه بالحجارةِ وقد تورّط فيه فنادى: يا معاشر العرب، قِتْلَةٌ أحسنُ من هذه. فقتله علي رضوانُ الله عليه، وقيل: الزبير رضوان الله عليه. فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليبيعَهم جُثَّته، فقال: "لا حاجَةَ لنا في جِيفَتِهِ ولا في ثَمَنِهِ، فإنَّه خبيثٌ، خُذوه". فأخذوه (?).

وقال ابن إسحاق: وكانت عائشة رضوانُ الله عليها وأمُّ سعدِ بن معاذ - رضي الله عنه - في أُطُمٍ من آطامِ بني حارثة، فمر سعدُ بن معاذ وعليه دِرْعٌ مُقَلَّصة قد خرج منها ذِراعُه وهو يقول: [من الرجز]

لبِّثْ قليلاً يشهدِ الهيجا حَمَلْ ... لا بأسَ بالموتِ إذا جاءَ الأَجَلْ

قالت عائشة: فقلت: يا أمَّ سَعْد، وَدِدْتُ أن دِرْعَ سَعْدٍ أسبغُ مما هي، فإني أخاف عليه. قالت: فرماه حِبّان بن قيس بن العَرِقَة بسهم فقطع أكحله، وقال: خُذْها وأنا ابن العَرِقَةِ، فقال سعد - رضي الله عنه -: عَرَّقَ الله وَجْهَكَ في النار، اللهمَّ إن كنتَ أَبقيتَ من حَرْبِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015