فكان أبو هريرة يقول لما فتحت هذه الأمصار في زمن عُمَر وما بعده: افتحوا ما بدا لكم فوالذي نفسُ أبي هريرة بيده ما فتحتم مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلاّ وقد أعطي محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - مفاتيحَها (?).

وقال جابر: مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وهم يحفرون الخندق ثلاثًا لم يذوقوا طعامًا، فقالوا: يا رسول الله، إن ها هنا كُدْيَةً مَن الجبل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رُشُّوهَا بالمَاءِ"، فرشوها، ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخذ المِعْوَل والمِسْحاة، ثم قال: "بِسْمِ اللهِ"، وضرب ثلاثًا فَصارت كثيبًا مُهالًا. قال جابر: فحانت مني التفاتة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد شد على بطنه حجرًا. أخرجاه في "الصحيحين" (?).

وقال البراء بن عازب: رأيت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينقلُ معنا التراب ويقول:

واللهِ لولا اللهُ ما اهتدَيْنا ... ولا تصدَّقْنا ولا صَلَّيْنا

فأَنْزِلَنْ سَكينةً علَيْنا ... وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقَيْنا

والمُشرِكونَ قد بَغَوا علينا ... إذا أرادوا فتنةً أبينا

يرفع صوته وقد وارى التراب بياضَ إبطيه. أخرجاه في "الصحيحين" (?)، والأبيات لعبد الله بن رواحة.

قال أنس: وكانوا يُؤْتَوْنَ بملء كَفًّ من شعير، فَيُصْنَعُ لهم بإهالَةٍ سَنِخةٍ، ويوضع بين أيديهم والقوم جياعٌ وهي بشِعَةٌ في الحَلْق ولها ريح منكرة. انفرد بإخراجه البخاري (?).

ولما استقر نزول الكفار على المدينة، خرج حُيَيُّ بنُ أَخْطَب إلى كعب بن أسد صاحبِ عَقْدِ بني قريظة، وكان كعب قد وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قومه، وعاهده أن لا يُعينَ عليه، فلما علم كعب بمجيء حيي، أغلق باب الحصين دونه، فناداه: يا كعب،