فإنك ستمر بإبلي، وغنمي، وغلماني في موضع كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حَاجَةَ لي فِيها" ودعا له. فانطلق ورجع إلى أصحابه فلا يلقى أحدًا إلا رده، قال: وقدمنا المدينة ليلًا.
قال الحُمَيدي: فتنازعوا أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْزِلُ علي بني النَّجارِ أَخوالِ عبدِ المطَّلبِ أُكْرِمُهم بذلِكَ" وصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطريق، وعلى الأجاجير (?) ينادون: يا محمد يا رسول الله (?).
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: سلك بهم عبد الله بن أُرَيقِط الليثيُّ من الغار على السواحل وقت السحر ليلة الاثنين، فقالوا يَوْمَ الثلاثاء بقُدَيدٍ، ثم أخذَ أَسْفلَ من عُسْفان، ثم سلك الخرّارَ، ثم مر على ثنية المَرَةِ، ثم على المَدْلَجةِ والرَّوْحاءِ، ثم على العَرْجِ، ثم على بطن رِئْم، ثم إلى المدينة (?).
قد ذكرنا أن قريشًا جعلت لمن يَردُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر مئتي بعير، وبلغ بُرَيدةَ فركب في سبعين فارسًا من بني أسلم، فلقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطريق فقال له: من أنت؟ فقال: بريدة -وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الفَأْل- فالتفت إلى أبي بكر - رضي الله عنه - وقال: برد أمرنا، ثم قال: فممن أنت؟ قال: من أسلم. قال: سلمنا، ثم قال: من بني من؟ قال: من بني سهم، قال: خرج سهمنا. فأوقع الله في قلب بُرَيدَةَ الإسلام فأسلم ومن كان معه، ثم قال: يا رسول الله، لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، وحلَّ بُرَيدَةُ عِمامَته وشدَّها في رمح، ومشى بها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: يا رسول الله، انزل علي؟ فقال: ناقتي مأمورة. فقال بريدة: الحمد لله الذي أسلمت بنو أسلم طائعين غير مكرهين (?).