فقال مضر: لم أرَ لحمًا أطيبَ من هذا، لولا أنه رُبِّي بِلَبَن كَلْبَةٍ، وقال ربيعة: لم أرَ خَمْرًا أجودَ من هذا، لولا أنه نبت على قبرٍ، وقال إياد: لم أر شَهْدًا ألذَّ من هذا، لولا أن نَحْله عشَّشَ في رأس جبَّان، وقال أنمار: لم أر رجلًا أسْرى منه لولا أنه يدعى لغير أبيه. يعني الأفعى. وكان الأفعى يسمع كلامهم ولا يَرَوْنه، فقال: إِنَّ هؤلاءِ لشياطينُ، ثم دعا بقَهْرَمانه فسأله عن اللحم؟ فسأل الراعي؟ فقال الراعي: إن هذه الشاةَ وضَعتْها أمها وليس لها لبن، فأرضعَتْها كَلْبة. وقال للقَهْرَمان: وهذه الخمرة من حَبَلة عُشْب نَبَتَت على قبر أبيك، وهذا الشَّهد من نحل عَشَّشَ في جُمْجُمَةِ إنسان.
ودخل الأفعى على أمه، فقال: أخبريني من أبي؟ وتوعَّدها، فقالت: كان أبوك شيخًا كبيرًا لا يُولدُ له، وخفت أن يذهبَ المُلْك، ووفد علينا شاب فأمكنتُه من نفسي، فعلقت بك. ولما انفصلوا عن الأفعى، قيل لِمُضر: من أين علمت أن اللحم ربِّي بلبن كلبة، قال: وجدت له زُهَمَة. وقيل لربيعة: من أين علمت أن الخمر نبتت على قبر؟ قال: أصابني عطشٌ شديد. وقيل لإياد: من أين علمت أن النحل عَشَّش في رأس جبَّان (?)؟ فقال: لأنه كان ضعيفًا. وقيل لأنمار: من أين علمت أنه لِغيرِ أبيه؟ فقال: ما رأيت عليه مَخايِلَ السؤدُدِ والشَّرَف (?).
والأفعى: هو ابن الحُصَين بن غَنْم بن رُهم بنِ مُرَّة بنِ أُدَدْ بن زيد بن يَشْجُب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وكانت العرب تتحاكم إليه، وهو أول من قال: الشرطُ أمْلك. وسبَبُه أن مُرَتِّع بنَ معاويةَ بنِ ثورٍ الكِنْدي -إليه ينسب كِندة- تزوج امرأة من حَضْرَمَوْت، وشرط عليه أبوها أنْ لا يتزوجَ عليها ولا تلدَ إلا في دارِ قومِها، فلم يَفِ لها بالشرط، فتحاكموا إلى الأفعى وأثبتوا الشرطَ عنده، فقال الأفعى: الشرطُ أمْلَك. فأخذ الحضرمِيون المرأةَ وابنَها من مرتِّع، واسم الابن مالك، فقال مُرَتِّع: أما ابني مالك فصدف عنِّي، فسمي الصدف (?).