لما رجع عبد المطَّلب من ضَرْبِ القِداح ونَحْرِ الإبل، أخذ بيد عبد الله وهو يبكي ويقول: اليوم وُهِبتَ لي يا بُنيَّ. فمر بامرأة من خَثْعَم يقال لها: فاطمة بنت مرّ، وكانت من أجمل النساء وأعفِّهنَ، وكانت قد قرأت الكتب، وكان شبابُ قريشٍ يَجلسون إليها ويَتحدَّثون عندها، فرأت نورَ النُّبوَّة بين عَينيه، فقالت له: يا فتى، مَن أنت؟ فقال: عبد الله بن عبد المطَّلب، فقالت: هل لك أن تقعَ عليَّ وأُعطيكَ مئةً من الإبل مثلَ ما نحر أبوك؟ فنظر إليها وقال: [من الرجز]
أمَّا الحرامُ فالمَمَاتُ دونَهُ
والحِلُّ لا حِلّ فأسْتَبينُه
فكَيفَ بالأمرِ الذِي تَنوينَهُ
ثم مضى مع أبيه عبد المطلب إلى وَهب بن عبد مَناف بن زُهْرة، وهو يومئذٍ سيِّدُ بني زُهْرة نسبًا وسِنًّا وشَرفًا، فخطب إليه ابنَته آمنة، وهي يومئذ أفضلُ نساء قريش، فزوَّجه إياها، فأقام عندها ثلاثًا، وعمره يومئذ سبع عشرة سنة، وقيل: ثلاثون سنة، وقيل: خمس وعشرون سنة.
وحملَتْ آمنةُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم ذكر عبد الله الخثعميَّةَ وجمالها وما عرضت عليه، فأقبل يُريدها، فلم يرَ من إقبالها عليه أخيرًا ما رأى منها أولًا، فقال: هل لك فيما عرضْتِ عليَّ؟ فنظرت إليه وقالت: "قد كان ذلك مرَّة، فاليوم لا". فذهبت مثلًا، ثم قالت له: ما الذي صنعتَ بعدي؟ قال: واقعتُ امرأتي آمنة، فقالت: والله يا هذا لستُ بصاحبةِ رِيبة، ولكني رأيتُ نورَ النبوة بين عينيك مثل غُرَّ الفَرَس ساطعًا إلى السماء، فأردتُ أن يكون ذلك فيَّ، وأبي الله إلا أن يَجعله حيث شاء، ثم عدْتَ وليس في