قال: وفتح آمد، ووَهَبها لابنِ قرا رسلان، واجتمع عنده وفود بالقُدْس، ولم يكن عنده مال، فباع ضيعة من بيت المال، وفرَّق ثمنها فيهم.
قال: وسألتُ ابن بيرزان يوم انعقاد الصُّلْح عن عِدَّة الفرنج الذين كانوا على عكا، وهو جالسٌ بين يدي السُّلْطان، فقال للترجمان: قل له: كانوا من خمس مئة ألف إلى ست مئة ألف، قتل منهم أكثر من مئة ألف، وغَرِقَ معظمهم.
وكان يوم المصافّ يدور على الأطلاب، ويقول: هل أنا إلا واحدٌ منكم. وكان في الشتاء يُعطي العساكر دستورًا، وهو نازلٌ على مرج عكا، ويقيم طول الشتاء في حَلْقته في نفرٍ يسير. [قال: ] (1) وكان على الرَّمْلة، فجاءه كتابٌ بوفاةِ تقيِّ الدين، فقال [وقد] (1) خنقته العَبْرة: مات تقيُّ الدين، اكتموا خبره مخافة العدو. ولقد واجهه الجَنَاح على يافا بذلك الكلامِ القبيح، فما قال له كلمة، واستدعاه، فأيقن بالهلاك، وارْتَقَبَ النَّاس أن يضرب رقبته، فأطعمه فاكهةً جاءته من دمشق، وسقاه ماءً وثَلْجًا.
[قال] (1): وكان للمسلمين لصوص يدخلون خيام الفرنج في اللَّيل ويسرقونهم، فسرقوا ليلةً صبيًّا رضيعًا، فباتت أُمه تبكي طول الليل، فقال لها الفرنج: إنَّ سُلْطانهم رحيمُ القلب، فاذهبي إليه. فجاءته وهو على تل الخَرُّوبة راكب، فعَفَّرت وَجْهها [في التراب] (1) وبكت، فسأل عنها، فأُخبر بقصتها، فَرَقَّ لها، ودَمِعَتْ عيناه، وتقدَّم إلى مقدَّم اللصوص بإحضارِ الطِّفْل، ولم يزل واقفًا حتَّى أحضروه، فلما رأته بكَتْ وشَهَقَتْ، وأخذته، فأرضعته ساعة، وضمَّته إليها، وأشارت إلى ناحية الفرنج، فأمر أن تحمل على فرسٍ، وتلحق بالفرنج، ففعلوا.
قال: وكان حَسَنَ العِشْرة، طيِّبَ الخُلُق، حافظًا لأنساب العرب، عارفًا بخيولهم، طاهر اللِّسان والقلم، فما شَتَمَ أحدًا قَطُّ، ولا كَتَبَ بيده ما فيه أذى مسلم، وما حَضَرَ بين يديه [يتيم] (1) إلا وترحَّم على مخلِّفه، وجَبَرَ قلبه، وأعطاه ما يكفيه، فإن كان له كافلٌ وإلا كفَلَه، وسُرِقَ يومًا من خزانته ألفا دينار، وجعل في الكيسين [مكانهما] (?) فلوسًا، فما قال شيئًا (?).