مجوَّدة بغير ألحان، ويقرأُ أيضًا في مجلسه الشَّريف مسعود الهاشمي، وكان يموت في مجلسه الرَّجُلان والثَّلاثة، ويكتب ما يقول في مجلسه أربع مئة محبرة عالم وغيره، وكان كثيرًا ما يخطو في الهواء في مجلسه على رؤوس النَّاس خطواتٍ، ثمَّ يرجع إلى الكرسي.

وقال أبو الفَتْح الهَرَوي: خدمتُ سَيِّدي الشيخ عبد القادر - رضي الله عنه - أربعين سنة، فكان في مُدَّتها يصلي الصُّبح بوضوء العِشاء، وكان إذا أحدث جَدَّد في وقته وضوءًا، وصلَّى رَكْعتين، وكان يصلِّي العشاء، ويدخل خلوته، ولا يدخلها معه أحد، ولا يخرج منها إلا عند طلوع الفجر، ولقد أتاه الخليفة باللَّيل مرارًا يقصد الاجتماع به، فلا يقدر على ذلك إلى الفجر، وبتُّ عنده ليالي، فكان يصلِّي أول الليل يسيرًا، ثمَّ يذكر إلى أن يمضي الثُّلُث الأَوَّل، يقول: المحيط الرَّب الشَّهيد الحسيب الفعَّال الخلَّاق الخالق البارئ المصوّر، فتتضاءل جثته مرة، وتعظم مرة، ويرتفع في الهواء إلى أن يغيب عن نظري مرة، ثمَّ يُصلِّي قائمًا على قدميه يتلو القرآن إلى أن يذهب الثُّلُث الثاني، وكان يطيل في سجوده جدًّا؛ يباشر بوجهه الأرض، ثمَّ يجلس متوجِّهًا مراقبًا مشاهدًا إلى قريب طلوع الفجر، ثمَّ يأخذ في الدُّعاء والابتهال والتذلُّل، ويغشاه نور يكاد يَخْطَفُ الأبصار إلى أن يغيب فيه عن النظر، وكنتُ أسمع عنده: سلامٌ عليكم، سلام عليكم، وهو يردُّ السَّلام إلى أن يخرج إلى صلاة الصُّبح.

وقال الشيخ أبو مسعود الحريمي: سمعتُ سيدنا الشيخ عبد القادر - رضي الله عنه - يقول: أقمتُ في صحارى العراق وخرابه خمسًا وعشرين سنة مجرَّدًا سائحًا، لا أعرف الخَلْق ولا يعرفوني، يأتيني طوائفُ من رجالِ الغيب والجان أُعلمهم الطَّريق إلى الله تعالى، ورافقني الخَضِر عليه السَّلام في أول دخولي العراق، وما كنتُ عَرَفْتُه، وشرَطَ أن لا أخالفه، وقال لي: اقعد هنا. فجلستُ في المكان الذي أقعدني فيه ثلاث سنين، يأتيني

في كلِّ سنة مرة، ويقول لي: مكانَك حتى آتيك.

وكانت الدُّنيا وزخارِفُها وشهواتُها تأتيني في صور، فيحميني الله تعالى من الالتفات إليها، وتأتيني الشياطين في صور شتَّى مزعجات ويقاتلوني، فيقويني الله تعالى عليهم، وتبرز إليَّ نفسي في صورة، فتارة تتضرع إليَّ فيما تريده، وتارة تحاربني، فينصرني الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015