قال: وتكلَّم يومًا آخر في مجلسه، فتداخل بعض الناس فترة، فقال: لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يرسل طيورًا خُضْرًا تسمع كلامي لفعل، فلم يتمَّ كلامه حتى امتلأَ المجلسُ بطيورٍ خُضْر يراها مَنْ حَضَرَ.
قال: وتكلَّم يومًا في قُدرة الله تعالى، وغَمَر النَّاسَ من كلامه هيبةٌ وخشوع، فمرَّ بالمجلس طائر عجيبُ الخِلْقة، فاشتغل بعضُ النَّاس بالنَّظر إليه عن سماع كلام الشيخ، فقال: وعِزَّة المعبود، لو شئت أن أقول لهذا الطائر من قِطَعًا قِطعًا لمات قِطَعًا قطَعًا، فما تمَّ كلامه حتى وَقَعَ الطَّائر إلى أرض المجلس قِطَعًا.
وقال الشيخ بقاء بن بطو: فبينا هو يتكلَّم على المرقاة الأُولى من الكرسي، إذْ قطع كلامه وسها ساعةً، ونَزَل إلى الأرض، ثمَّ صَعِدَ الكرسي، وجلس على المرقاة الثانية، فأُشْهِدْتُ أنَّ المرقاة الأُولى قد اتَّسعت حتى صارت مَدَّ البصر، وفُرِشَت من السُّنْدس الأخضر، وجلس عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وتجلَّى الحقُّ سبحانه على قلب الشيخ، فمال حتى كاد أن يسقط، فامسكه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا يقع، ثمَّ تضاءل حتى صار كالعُصْفور، ثمَّ نمى حتى صار على صورةٍ هائلة، ثمَّ توارى عني.
فسئل الشيخ بقاء عن رؤيته رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه -رضي الله عنهم-، فقال: أرواحهم تشكَّلَتْ، وأن الله تعالى أيَّدهم بقوَّةٍ يظهرون بها، فيراهم من قوَّاه الله تعالى لرؤيتهم في صور الأجساد وصفات الأعيان بدليلِ حديث المعراج.
وسئل عن تضاؤل الشيخ عبد القادر رحمة الله عليه، ونموه، فقال: كان التَّجلِّي الأوّل بصفة لا يثبت لبدوها بشر إلا بتأييد نبوي، فلذلك كاد الشيخ يسقط لولا تدراكه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان التَّجلِّي الثَّاني بصفة الجلال من حيث موصوفه، فلذلك تضاءل، وكان التجلِّي الثَّالث بصفة الجمال من حيث مشاهده، فذلك انتعش ونمى، و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
وقال الشيخ عبد الوهَّاب بن سيدنا الشيخ محيي الدِّين رحمة الله عليهما: سافرتُ إلى بلاد العجم، وتفننت في العلوم، فلمَّا رجعت إلى بغداد، قلتُ لوالدي: أُريد أن أتكلَّم على النَّاس بحضرتك. فأَذِنَ لي، فَصَعِدْتُ الكرسي، وتكلَّمت بما شاء الله من