إلى أسد الدين، فذكِّرْه. وأَقْبَلَ على ذِكْر الله تعالى والتشهُّد حتى مات، وطار الطَّائر، ودُفِنَ في تابوت بالمَوْصِل، وذلك في رمضان. ومضى أبو القاسم إلى أسد الدِّين، فأخبره، فقال: صَدَق. وأعطاه مالًا صالحًا يحمله به إلى مكة والمدينة، وأن يحجَّ معه جماعةٌ من الصُّوفية، ويُقرأ بين يدي تابوته عند النُّزول وعند الرَّحيل، وأن يُنادى بالصَّلاة عليه في كلِّ بلد. فخرجوا بتابوته على هذه الهيئة، فقدموا به بغداد، ونزلوا به في الشُّونيزية، ولم يبق ببغداد أحدٌ إلَّا وخرج إليه خصوصًا مَنْ كان له إليه إحسان، فصلُّوا عليه وبكوا وترحَّموا، ثُمَّ خرجوا به إلى الحِلَّة والكوفة، وزاوية المشهدين، فقام بعضُ العلويين بالكُوفة على تلٍّ عالٍ، فلما مَرُّوا بجنازته رَفَعَ صوتَه، وقال: [من الطويل]
سَرَى نعشُه فوق الرِّقابِ وطالما ... سرى بِرُّه في العالمينَ ونائِلُهْ
يمرُّ على الوادي فتُثْني رمالُهُ ... عليه وبالنَّادي فتبكي أرامِلُهْ
فلم ير باكيًا أكثر من ذلك اليوم، ثم ساروا به مع الحاجّ، فلمَّا وصلوا [به] (?) إلى وادي المحرم، ألقوا على تابوته شقة كأَنَّه مُحْرم، ثم أَتَوْا به عرفات، وخرج أهل مكة باكين، وصَعِدوا به إلى الجبل، ونزلوا به إلى مِنى، واشتروا له جمالًا، ونحروها عنه، ودخلوا به مكَّة، فطافوا به حول البيت، واشتغل النَّاس به عن البيت من كَثْرة البكاء والصُّراخ، وخرج النِّساء المجاورات اللائي كان إليهن بِرَّه بين يدي تابوته يبكين ويصرخن، وكان يومًا عظيمًا، وساروا به إلى المدينة، فخرج أهلُها، وفعلوا به كما فعل أهل مكَّة، ودخلوا به إلى الرَّوْضة، فصلوا عليه، وحملوه إلى رِباطه، فدفنوه فيه، وبين رباطه وبين مسجد النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أذرع عرض الطَّريق، وكان فصيحًا. ولما حُبس قال: [من الكامل]
أين اليمينُ وأينَ ما عاهدْتني ... ما كان أسرعَ في الهوى ما خُنْتني
وتركتني حيرانَ صَبًّا مُدْنَفًا ... أرعى النُّجومَ وأنتَ ترقد ها هَنِي