والمكانة المكينة، ولما فتح السلطان صلاح الدين مدينة حلب أنشده القاضي محيي الدين أبو المعالي المذكور قصيدة أجاد فيها كل الإجادة، وكان من جملتها هذا البيت:
وفتحك القلعة الشهباء في صفر ... مبشر بفتوح القدس في رجب
وكان كما قال، فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، فقيل له: من أين لك هذا؟ فقال: أخذته من تفسير ابن برجان في تفسير قوله تعالى " ألم غلبت إلىوم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين " - إلىوم ا - 3 - والمنقول عن ابن برجان أنه ذكر له حساباً طويلاً وطريقاً في استخراج ذلك حتى حرره من قوله تعالى " بضع سنين ". ولما ملك صلاح الدين المذكور حلب فوض الحكم والقضاء بها للماضي أبي المعالي المذكور. ولما فتح القدس تطاول إلى الخطابة بها يوم الجمعة كل واحد من العلماء الذين كانوا في خدمته حاضرين، وجهز كل واحد منهم خطبة بليغة طمعاً في أن يكون هو الذي يعتن لذلك، فخرج المرسوم للماضي أبي المعالي المذكور أن يخطب، وحضر السلطان وأعيان دولته، وذلك في أول جمعة صليت بالقدس بعد الفتح، فلما رقي على المنبر استفتح بسورة ألفاتحة ثم قال: فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين، ثم قرأ سورة الأنعام " الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور " إلى آخر الآيات الثلاث، ثم قرأ من سورة سبحان " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولما ولم يكن له شريك في الملك " - الاسراء 111 - الآية، ثم قرأ من أول الكهف " الحمد لله " إلى اخر الثلاث الآيات، ثم قرأ من النمل " وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى " - النمل 59 - ثم قرأ من سورة سبأ " الحمد لله " الخ الآية، ثم قرأ من سورة فاطر " الحمد لله فاطر السموات والأرض "، - فاطر 1 - وكان قصده أن يذكر جميع تحميدات القرآن الكريم، ثم شرع في الخطبة فقال:؟ الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور جماعة أدباً كثيراً واتفقوا على فضله ومعرفته. بأمره، ومديم النعم بشكره، ومستدرج الكفار بمكره، الذي قدر الأيام دولاً بعدله، وجعل ألفاقبة للمتقين بفضله، وأفاء على عباده من ظله، وأظهر