ويبالغ في الإنفاق حتى عرف بالجواد، وصار ذلك كالعلم عليه، وأثر آثاراً جميلة، واجرى الماء إلى عرفات أيام الموسم من مكان بعيد، وعمل الدرج من أسفل الجبل إلى أعلاه، وبنى سور مدينة إلىسول صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان قد خرب من مسجده، وكان يحمل في كل سنة إلى مكة والمدينة من الأموال والكسوات للفقراء والمنقطعين ما يقوم بهم مدة سنة. وكان له ديوان مرتب باسم أرباب إلىسوم والقصاد لا غير، وتنوع في فعل الخير حتى أنه جاء في زمنه غلاء مفرط، فواسى الناس حتى لم يبق له شيء، وكان إقطاعه عشر مغل البلاد على جاري عادة وزراء الدولة السلجوقية. وأخبر بعض وكلأنه أنه دخل يوماً فناوله بقيارة وقال له: بع هذا واصرف ثمنه إلى المحاويج، فقال له الوكيل: إنه لم يبق شيء عندك سوى هذا البقيار والذي على رأسك، وإذا بعت هذا ربما تحتاج إلى تغيير البقيار، فلا تجد ما تلبسه، فقال له: إن هذا الوقت صعب كما ترى، وربما لا أجد وقتاً أصنع فيه الخير كهذا الوقت، فخرج الوكيل، وباع البقيار وتصدق بثمنه. وله من النوادر أشياء كثيرة، وأقام على هذه ألفالة إلى أن توفي السلطان غازي وتولى أخوه قطب الدين، فاستكثر إقطاعه، وثقل عليه أمره، وقبض عليه، وحبسه إلى أن توفي مسجوناً في العشر الأخير من شهر رمضان - وقيل من شعبان في السنة المذكورة - وصلي عليه، وكان يوماً مشهوراً من ضجيج الضعفاء والأرامل والأيتام حول جنازته، ودفن بالموصل إلى بعض سنة ستين، ثم نقل إلى مكة - حرسها الله تعالى - وطيف به حول الكعبة بعد أن صعدوا به ليلة الوقفة إلى جبل عرفات، وكانو يطوفون به كل يوم مراراً مدة مقامهم بمكة، وكان يوم دخوله مكة يوماً مشهوراً من اجتماع الخلق والبكاء عليه وكان معه شخص مرتب يذكر مآثره، ويعقد محاسنه إذا وصلوا به إلى المزارات والمواضع المعظمة، فلما انتهوا به إلى الكعبة وقف وأنشد:

يا كعبة الإسلام هذا الذي ... جاءك يسعى كعبة الجود

قصدت في الشام وهذا الذي ... لم يخل يوماً غير مقصود

ثم حمل إلى مدينة إلىسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ودفن بها بالبقيع بعد أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015