بالرشيد - من ديار مصر إلى اليمن أكرمه القاضي أبو بكر المذكور، وبجله، وكان الرشيد المذكور فاضلاً بارعاً ذا فنون كثيرة، وفضيلة شهيرة. وحكي انه أستأذن هو والجليس أبو المعالي المصري - ذات يوم على الوزير فلان - سماه - فلم يأذن لهما، واعتذر عن المواجهة، ووجدا عنده غلظة من الحجاب، ثم عاوداه مرة أخرى، واستأذنا عليه، فقيل لهما إنه نائم، فخرجا من عنده فقال القاضي الرشيد:

توقع لأيام اللئام زوآلهافعما قليل سوف تنكر حآلها

فلو كنت تدعو الله في كل حالة ... لتبقي عليهم ما أمنت انتقآلها

وقال صاحبه أبو المعالي:

لئن أنكرتم عنا ازدحاماً ... ليجتنبكم هذا الزحام

وإن نمتم عن ألفاجات عمداً ... فعين الدهر لا تنام

فلم يكن بعد أيام حتى نكب الوزير نكبة عظيمة. وفي السنة المذكورة توفي أبو الحسن محمد بن المبارك العكبري الفقيه الشافعي. أتقن المذهب على أبي بكر ألفاشي المستظهري، درس وأفتى وصنف وأقرأ له مصنف في شرح التنبيه للشيخ أبي إسحاق ومصنف في الأصول.

وفيها توفي ابن خميس أبو عبد الله الحسين بن نصرالموصلي الجهني الشافعي، الملقب تاج الإسلام. قال ابن خلكان: أخذ الفقه عن أبي حامد الغزالي ببغداد، وعن غيره وولي القضاء برحبة مالك بن طوق، ثم رجع إلى الموصل، وصنف كتباً منها: مناقب الأبرار على أسلوب رسالة القشيري ومناسك الحج وأخبار المقامات. قلت: وقول ابن خلكان: على أسلوب رسالة القشيري، ليس إطلاقه هذا بمرضي ولا صحيح، فإن رسالة القشيري جمعت أصناما من العقائد والآداب وذكر المقامات والأحوال وأسمأنها واصطلاحات المشايخ الصوفية، من ذلك: ذكر اللوامع والطوالع، والبوادة واللوائح، والمحبة والشوق، والأنس وآلهيبة، والسكر والغيبة، والفناء والبقاء، إلى غير ذلك مما يطول ذكره ومما لم يذكره في مناقب الأبرار المذكور، وإنما ذكر فيه مما يناسب ما في إلىسالة قوله: ومنهم ومنهم فحسب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015