وأبو محمد الحرير: صاحب المقامات، القاسم بن علي بن محمد البصري الأديب، حامل لواء البراعة وفارس النظم والنثر، ونسجهما بظرافة الصناعة، كان من رؤساء بلده، روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسين وغيره، وعاش سبعين سنة، ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات، واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها، حتى قال بعض الفضلاء: من عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة إطلاعه وغزارة مادته. وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال: كان أبي جالساً في مسجد بني حرام، فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر، رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة، فسألته الجماعة: من أين الشيخ؟ فقال: من سروج، فاستخبروه عن كنيته قال: أبو زيد، فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية، وهي الثامنة والأربعون، وعزاها إلى أبي زيد المذكور، واشتهرت، فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أبا نصر القاشاني - بالقاف والشين المعجمة - وزير الإمام المسترشد باللة، فلما وقف عليها أعجبته، وأشار على والدي أن يضم إليها غيرها، فأتمها خمسين مقامة. وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله: فأشار من إشارته حكم، وطاعته غنم إلى أن أنشىء مقامات أتلو فيها تلوالبديع، وإن لم يدرك الظالع شيئاً والضليع. هكذا وجد في عدة تواريخ في نسخة من المقامات عليها خطه، وقد كتب بخطه أيضاً على ظهرها أنه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة أبي علي الحسن بن أبي المعز علي ابن صدقة وزير المسترشد، قيل: وهذا أصح من الرواية الأولى، لكونه بخط المصنف، والله أعلم. وذكر القاضي أبو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير حلب في كتابه المسمى أنباء الرواة على أبناء النجاة أن أبا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلار، وكان بصيرياً نحوياً لغوياً، وصحب الحريري المذكور، واشتغل عليه بالبصرة، وتخرج به، روى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد الميداني الواسطي ملحة الإعراب للحريري، وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال: قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة، فسمعنا منه، وتوتجه منها مصعداً إلى بغداد، فوصلها، وأقام مدة يسيرة وتوفي بها رحمه الله تعالى. وأما تسمية الراوي لها بالحارث بن همام فإنما عنى به نفسه، هكذا ذكر ابن خلكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015