وعاشت أمه فاطمة بنت الشيخ أبي علي الدقاق بعد أربعة أعوام، وعمره أربع وستون سنة. وفيها توفي الفقيه الإمام مفيد الطلاب، ومفتي الأنام: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي أبو نصر المعروف بابن الصباغ. كان فقيه العراقين، وكان يضاهي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي. وبعضهم يرجحه عليه في معرفة المذهب. قلت: يعنون في معرفة الفروع، وأما معرفة الأصول أو المباحث العقلية فأبو إسحاق مرجح عليه وعلى عامة الفقهاء، إلا ما شاء الله تعالى. وكان يرحل إليه من البلدان، وكان تقياً صالحاً حجة. ومن مصنفاته كتاب الشامل في الفقه، وهو من أجود كتب الشافعية وأصحها نقلاً وأثبتها أدلة. وله كتاب تذكرة العالم والطريق السالم والعدة في أصول الفقه وولي التدريس في النظامية، على ما تقدم إيضاحه في ترجمة الشيخ أبي إسحاق، وقيل إنه كف بصره في آخر عمره. وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الجليل الكبير الشأن الفضل بن محمد المرشد شيخ خراسان، أبو علي المعروف بالفارمدي. قال الشيخ عبد الغافر: هو شيخ الشيوخ في عصره، المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في حسن عبارته وتهذيبه، وحسن آدابه، ومليح استعارته، ودقة إلطافه، دخل نيسابور، وصحب الأستاذ أبا القاسم القشيري، وأخذ في الاجتهاد البالغ إلى أن نال، وحصل له عند نظام الملك قبول خارج عن الحد روى عن جماعة، وعاش سبعين سنة.
وفيها توفي الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي، رحل، وصنف، وحدث عن جماعة، وقال الدقاق: لم أر أجود إتقاناً ولا أحسن ضبطاً منه.
؟ سنة ثمان وسبعين واربع مائة
فيها صارت الفتنة بين الرافضة والسنية، اقتتلوا، وأحرقت أماكن. وفيها توفي الحافظ المتقن أبو العباس أحمد بن عمر الأندلسي. روى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة، ومن جلالته أنه روى عنه إماما الأندلس: ابن عبد البز وابن حزم. وله كتاب دلائل النبوة. وفيها ليلة الجمعة ثامن عشر شوالها توفي الإمام الكبير الفقيه البارع المجيد ذو الوصف الحميد، والمنهج السديد أبو سعد على القول الأصح وقيل: أبو سعيد المتولي: عبد الرحمن ابن محمد المعروف بالمتولي النيسابوري، شيخ الشافعية، وتلميذ القاضي حسين. كان جامعاً بين العلم والدين، وحسن السيرة وتحقيق المناظرة، له يد قوية في الأصول والفقه، والخلاف