فيها سار صاحب قونية سليمان السلجوقي إلى الشام بجيوشه، فأخذ أنطاكية، وكانت بيد النصارى منذ مائة وعشرين سنة، وكان ملكها قد سار عنها إلى بلاد الروم، ورتب بها نائباً، فأساء إلى أهلها وإلى الجند في إقامته بها. فلما دخل بلاد الروم، واتفق ولده والنائب المذكور على تسليمها إلى صاحب قونية، وكاتبوه، فأسرع في البحر، ثم طلع، وسار إليها في جبال وعرة، فأتاها بغتة، فنصب السلالم ودخلها، وقتل جماعة، وعفا عن الرعية، وأخذ منها أموالاً لا تحصى، ثم بعث إلى السلطان ملك شاه، يبشره بالفتح. وكان صاحب الموصل يأخذ الوظيفة من أنطاكية، فطلب العادة من سليمان، فقال له ذلك المال جزية، وأنا بحمد الله مؤمن.
وفيها توفي ذو الوزارتين محمد بن عمار الأندلسي الشاعر المشهور. كانت ملوك الأندلس تخافه لبذاءة لسانه وبراعة جنانه. وكان جليساً وشهيراً ووزيراً ومشيراً لصاحب الأندلس في زمانه، ثم خلع عليه خاتم الملك، ووجهه أميراً، فتبعته المواكب والمضارب والنجائب والكتائب والجنود، وضربت خلفه الطبول، ونشرت على رأسه الرايات، فملك مدينة تدمير بضم المثناة من فوق وكسر الميم وسكون الدال المهملة بينهما وقبل الراء مثناة من تحت ساكنة وأصبح راقي منبر وسرير، مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير، ثم بادر إلى عقوق من قربه، فانقلبت الدائرة عليه خوفاً، وخاف فيما طلبه، وحصل في القبصة قبيصاً، وأصبح لا يجد له محيصاً، إلى أن قتل في قصره، وأضحى مدفوناً في قبره، وله أشعار جميلة، ومن جملة قصيدة له طويلة في المعتضد بن عباد:
ملوك العز في عرصاتهم ... ومثوى المعالي بين تلك المعالم
هو البيت يا عز الضنى لبنائه ... بأس وما عز القنا لدعائم
وفيها توفي العالم النبيل اسماعيل بن معبد بن اسماعيل ابن الإمام أبي بكر الإشبيلي الجرجاني. كان وافر الحشمة، له يد في النظم والنثر. وفيها قيل في التي قبلها توفيت أم الفضل بنت عبد الصمد الهروية. لها جزء مشهور بها، يرويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح. عاشت تسعين سنة. وفيها توفي أبو سعيد عبد الله ابن الإمام عبد الكريم بن هوازن القشيري، أكبر الإخوة،