له: والله اعلم ما غلبتني بفقهك، ولكن بصلاحك. هكذا حكي والله أعلم. وذكروا أنه لما شافهه أمير المؤمنين بالرسالة قال: وما يدريني أنك أمير المؤمنين

ولم أرك قبل هذا قط؟! فتبسم الخليفة من ذلك، وأعجبه، فأحضر من عرفه به. وذكروا أيضاً أنه كان في طريق، فمر كلب، فزجره بعض أصحابه، فقال له أبو إسحاق: أما علمت أن الطريق مشتركة بيننا وبينه؟ وله في الورع حكايات شهيرة. ومن تواضعه أنه كان - مع جلالته وعلو منزلته - يحضر مجلس بعض تلامذة إمام الحرمين، أعني مجلس وعظه، وهو الشيخ الإمام البارع جامع المحاسن والفضائل بلا منازع أبو نصر عبد الرحيم ابن الإمام أبي القاسم القشيري كما سيأتي. وذكر الحافظ ابن النجار أنه لما ورد بلاد العجم، كان يخرج إليه أهلها بنسائهم، فيمسحون أردانهم يعني به أو قال: أردانهم به، ويأخذون تراب نعله، فيستشفون به. وذكر علماء التاريخ أنه لما فرغ نظام الملك من بناء المدرسة النظامية التي في بغداد سنة تسع وخمسين وأربع مائة قرر لتدريسها الشيخ أبا إسحاق. واجتمع الناس من سائر أعيان البلد وجوه الناس على اختلاف طبقاتهم، فلم يحضر الشيخ أبو إسحاق، وسبب ذلك أنه لقيه صبي قيل حمال من السوق فقال له: كيف تدرس في مكان مغصوب. فرجع واختفى، فلما أيسوا من حضوره قالوا: ما ينبغي أن ينصرف هذا الجمع إلا بعد تدريس، فدرس الإمام أبو نصر بن الصباغ - مصنف الشامل وقيل: لم يكن حاضراً، بل نفذ إليه عند ذلك، فحضر ودرس. فلما وصل الخبر إلى نظام الملك أقام القيامة على العميد أبي سعيد، فلم يزل يرفق بالشيخ أبي إسحاق حتى عرس بها. وذكر بعضهم أن الشيخ أبا إسحاق ظهر في مسجده بعد اختفائه، ولحق أصحابه من ذلك ما بان عليهم، وفتروا عن حضور درسه، وراسلوه أنه أن لم يدرس بها مضوا إلى ابن الصباغ، وتركوه، فأجاب إلى التدريس بها، وعزل ابن الصباغ، وكان مدة تدريسه بها عشرين يوماً. قلت لماذا كان الحامل للشيخ أبي إسحاق على التدريس بها قول طلبته المذكور، وفتورهم عن حضور درسه، فذلك يحمل على حرصه على نشر علمه، ونفع المسلمين به، ويكون ذلك من النصيحة للدين والاهتمام بالقيام لإظهار ما شرع من الأحكام، وتعليمها للراغبين فيها من الأنام، وكراهية أن يكون علمه مهجوراً، وتعطيل النفع بما سعى في تحصيله دهوراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015