بالكدراء، وفي سنة تلاث وخمسين كتب الصليحي إلى المستنصر يستأذنه في إظهار الدعوة، فأذن له، فطوى البلاد طياً، وفتح الحصون والبلاد، ولم تخرج سنة خمس وخمسين إلا وقد ملك اليمن كله: سهله ووعره، وبره وبحره. وقيل: وهذا أمر لم يعهد مثله في الجاهلية والإسلام، حتى قال يوماً وهو يخطب الناس في جامع الجند: وفي مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد، فقال بعص من حضر: سبوح قدوس، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قلت قوله سبوح قدوس: إن كان تعظيماً له وتنزيها فقد كفر قائله، إذ أشركه مع الله بما يختص به تعالى، وإن كان تهكماً به وأنه ادعى من القدرة صفة من صفات الله تعالى التي لا يتصف بها غيره، فمثل هذا لا ينبغي أن يقال، والظاهر - والله أعلم - أن هذا مقال بعض الزنادقة، أخرجه مخرج التعظيم له. قال: فلم يدر مثل ذلك اليوم حتى خطب الصليحي على منبر عدن، فقام ذلك الإنسان، وتعالى في المقام، وأخذ البيعة، ودخل في المذهب. وفي سنة خمس وخمسين استقر حاله في صنعاء، وأخذ معه ملوك اليمن الذين أزال ملكهم، وأسكنهم معه، وولى في الحصون غيرهم، واختط بمدينة صنعاء عدة حصون، وحلف أن لا يولي تهامه، إلأ لمن وزن له مائة ألف دينار، فوزنت له ذلك زوجته أسماء عن أخيها أسعد بن شهاب، فولاه وقال لها: يا مولاتنا؛ أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فتبسم وعلم أنه من خزانته، فقبضه وقال: هذه بضاعتنا ردت إلينا، ونمير أهلنا، ونحفظ أخانا. ولما كان في سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة، عزم الصليحي على الحج، فأخذ الملوك الذين كان يخاف منهم أن يثوروا عليه، واستصحب زوجته أسماء بنت شهاب، واستخلف مكانه ولده منها المكرم أحمد، وتوجه في ألفي فارس، فيهم من آل الصليحي مائة وتسعون - شخصاً، حتى إذا كان بالمنج، نزل في ظاهرها بالعسكر بضيعة يقال لها أم الدهيم وبيرام معبد، ونزلت عساكره والملوك الذين معه من حوله، فلم يشعر الناس حتى قتل الصليحي، فانزعر الناس، وكشفوا عن الخبر، فإذا الذي قتله سعيد الأحول ابن الذي قتلت الجارية أباه نجاحاً بالسم، أرسل إليه أخوه يعلمه أن الصليحي متوجه إلى مكة، فتحضر حتى تقطع عليه الطريق، فحضر، ثم خرج هو وأخوه، ومعهما سبعون رجلاً بلا مركوب ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015