وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن علي الصليحي بضم الصاد المهملة وفتح اللام وسكون المثناة من تحت والحاء المهملة مكسورة القائم باليمن، كان أبوه قاضياً باليمن، سني المذهب، وكان أهله وجماعته يطيعونه، وكان الداعي عامر بن عبد الله الرواحي بالراء والحاء المهملة يلاطفه ويركب، أو قال: يركب إليه لرئاسته وسؤدده وصلاحة علمه، فلم يزل عامر المذكور حتى استمال قلب ولده المذكور وهو يومئذ دون البلوغ، لاحت فيه مخائل النجابة. وقيل كانت عنده حلية علي الصليحي في كتاب الصور، وهو من الذخائر القديمة، فأوفقه منه على تثقل حاله وشرف ماله، وأطلعه على ذلك سراً من أبيه وأهله. ثم مات عامر عن قرب، وأوصى له بكتبه وعلومه، ورسخ في الذهن من كلامه ما رسخ، فعكف على الدرس وكان ذكياً فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علومه التي بلغ بها - وبالحد الصعيد غاية البعيد. قلت هذا على اعتقاد من هو طريد عن باب التوفيق والاعتقاد السديد، فلم يزل مشتغلاً بتلك العفوم الضلالية الأوهامية، حتى صار فقيهاً في مذهب الباطنية الإسماعيلة، منتصراً في علم التأويل المخالف بمفهوم التنزيل، ثم إنه صار يحج بالناس دليلاً على طريق السراة والطائف خمس عشرة سنة، وكان الناس يقولون له: بلغنا أنك ستملك اليمن بأسره، ويكون لك شأن؟ فيكره ذلك، وينكره على قائله، مع كونه أمراً قد شاع، وكثر في أفواه الناس - الخاصة والعامة. ولما كان سنة تسع وعشرين رأربع مائة ارتقى رأس جبل، هو أعلى ذروة من جبال اليمن، وكان معه ستون رجلاً، قد خالفهم بمكة في سنة ثمان وعشرين وأربعمائة على الموت والقيام بالدعوة، وما منهم إلا من هو من قوم وعشيرة في منعة وعدد كبير، ولم يكن برأس الجبل المذكور بناء بل كان قلة عالية منيعة، فلما ملكها لم ينتصف نهار ذلك اليوم إلا وقد أحاط بها عشرون ألف ضارب بسيف، وحصروه وشتموه، وسفهوا رأيه، وقالوا له: إن نزلت وإلا قتلناك أنت ومن معك بالجوع، فقال لهم: لا أفعل هذا إلا خوفاً علينا وعليكم أن يملكه غيرنا فإن تركتموني أحرسها وإلا نزلت إليكم، فانصرفوا عنه، ولم يمض عليه أشهر حتى بنى في رأس ذلك الجبل، وحصنه، وأتقنه، واستفحل أمر الصليحي شيئاً فشيئاً. وكان يدعو للمستنصر العبيدي صاحب مصر في الخفية، ويخاف من نجاح صاحب تهامة، ويلاطفه، ويستكبر لأمره، وفي الباطن يعمل الحيلة في قتله، ولم يزل حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها إليه، وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015