جمع لا يقوون عليه دخلوا المفاوز، وتحضنوا بالرمال، وجرت لهم مع ولاة خراسان أمور يطول ذكرها وشرحها، وحاصل الأمر أنهم استظهروا على الولاة، وظفروا بهم، وملكوا البلاد، وكان ابتداء أمرهم في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وكان السلطان أبو طالب محمد المذكور كبيرهم، وإليه الأمر والنهي في السلطنة، وأخذ أخوه داود مدينة بل، واتسع لهم الملك، واقتسموا البلاد، وانحاز السلطان مسعود إلى غزنة ونواحيها، وكانوا يخطبون له في أول الأمر، فعظم شأنهم إلى أن راسلهم القائم بأمر الله وكان الرسول بينهم وبينه الماضي أبا الحسن علي بن حبيب الماوردي مصنف الحاوي الكبير في الفقه، وكان السلطان محمد المذكور حليماً محافظاً على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة، وكان يصوم الاثنين والخميس، ويكثر الصدقات، ويبني المساجد، ويقول استحي من الله تعالى أن أبني داراً لا أبني إلى جانبها مسجداً. ثم إنه تمهدت له البلاد، وملك العراق وبغداد، وسير إلى الإمام القائم يخطب إليه بنته، فشق على القائم، واستعفى منه، وترددت الرسل بينهما، فلم يجد من ذلك بداً، فزوجه بها، وعقد العقد بمدينة تبريز، ثم توجه إلى بغداد فلما دخلها طلب الزفاف، وحمل مائة ألف دينار برسم حمل القماش ونقله، فزفت إليه بدار المملكة، وجلست على سرير ملبس من ذهب، ودخل السلطان إليها، فقبل الأرض بين يديها، ولم يكشف البرقع عن وجهها في ذلك الوقت، وقدم لها تحفاً يقصر الوصف عن ضبطها، وقبل الأرض، وقدم وانصرف، فظهر عليه السرور. وبالجملة، فأخبار الدولة السلجوقية كثيرة ومقصودنا الاختصار وسنذكر جماعة من ملوكهم في السنين التي توفوا فيها إن شاء الله تعالى. وتوفي السلطان المذكور يوم الجمعة، ثامن عشر رمضان من السنة المذكورة. وذكر عنه السمعاني أنه قال: رأيت وأنا بخراسان في المنام، كأني رفعت إلى السماء وأنا في ضباب لا أبصر شيئاً، غير أني أشم رائحة طيبة، فنوديت: أنت قريب من الباري جلت قدرته فسل حاجتك تقض؛ فقلت في نفسي: أسألك طول العمر، فقيل: لك سبعون سنة، فقلت: يارب؛ لا يكفيني، فقيل: لك سبعون سنة. ولما حضرته الوفاة قال: إنما مثلي مثل شاة شدت قوائمها بحبل الصوف، فنظن أنها تذبح، فتضطرب، حتى إذا أطلقت تفرح، ثم تشد للذبح، فتظن أنها تشد بحبل الصوف للذبح فتسكن، فتذبح، وهذا المرض الذي أنا فيه هو شد القوائم للذبح. - فمات منه - رحمه الله تعالى وعمره سبعون سنة. وفيها توفي أبو طاهر أحمد بن محمود الثقفي الأصبهاني المؤدب. وكان صالحاً ثقة سنياً كثير الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015