فهمه، يفتي ويستدرك على الفقهاء الخطأ ويقضي ببغداد، ويحضر المراكب في دار الخلاف، إلى أن مات. تفقه على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاضي في طبرستان وعلى أبي سعيد الإسماعيلي وأبي القاسم، تناكح بجرجان، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحس، الماسرجسي، فصحبه أربع سنين، وتفقه عليه، ثم ارتحل إلى بغداد، وحضر مجلس الشيخ أبي حامد الأسفرائيني، وعليه اشتغل أبو إسحاق الشيرازي، وقال في حقه: لم أر فيمن رأيت أكمل اجتهاداً وأشد تحقيقاً وأجود نظراً منه، وشرح مختصر المزني وفروع ابن حداد المصري، وصنف في الأصول والمذهب والخلاف والجدل كتباً كثيرة. وقال الشيخ أبو إسحاق: لازمت مجلسه بضع عشر سنة، ودرست أصحابه في مسجده سنتين بإذنه، واستوطن ببغداد، وولي القضاء بربع الكرخي بعد موت عبد الله الصيمري، ولم ينزل على القضاء إلى حين وفاته رحمه الله تعالى. وفيها توفي الإمام النحرير الكبير، أقضى القضاة أبو الحسين علي بن محمد البصري الماوردي الشافعي، مصنف الحاوي الكبير النفيس الشهير والإقناع وأدب الدنيا والدين والأحكام السلطانية وقانون الوزارة وسياسة الملك وتفسير القرآن الكريم والقلب والعيون، وصنف في أصول الفقه والأدب وغير ذلك، وكان إماماً في الفقه والأصول والتفسير، بصيراً بالعربية، ولي قضاء بلاد كثيرة، ثم سكن بغداد، وعاش ستاً وثمانين سنة، تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وعلى الشيخ أبي حامد الأسفرائيني ببغداد، وحدث عن جماعة، وكان حافظاً للمذهب. درس العلوم. وروى عنه الخطيب صاحب تاريخ بغداد: وانتفع الناس به، وقيل إنه لم يظهر شيئاً من تصانيفه في حياته، وإنما جمع جميعاً في موضع، فلما دنت وفاته قال لشخص يتولاه: الكتب التي في المكان الفلاني كلها تصنيفي، وإنما لم أظهرها لأني لم أجد نية خالصة لله تعالى، فإذا عاينت الموت، ووقعت في النزع، فاجعل يدك في يدي، فإن قبضت عليها، وعصرتها، فاعلم أنه لم يقبل من سنن منها، فالقها في دجلة، وإن بسطت يدي ولم أقبض على يدك، فاعلم أنها قد قبلت، وقد ظفرت بما كنت أرجوه. ففعل الموصي ذلك، فبسط يده، ولم يقبضها على يده، فعلم أنها علامة القبول، فأظهر كتبه بعده. وذكر الخطيب في أول تاريخ بغداد عن الماوردي قال: كتب إلي أخي من البصرة وأنا ببغداد: طيب الهوى ببغداد يشوقني قدماً إليها، وإن علقت مقادير، فكيف صبري عنها الآن، إن جمعت طيب هوائين ممدود ومقصور. وقيل إنه لما خرج من بغداد راجعاً إلى