بالليل مع جماعة من غلمانه إلى عكبراء، ونهبت داره من الغد. في السنة المذكورة سار الملك المسعود بن محمود بن ناصر الدين، فدخل أصفهان بالسيف، ونهب وقتل علماء لا يحصون، ففعل ما لا يفعله الكفرة. وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد النعيمي البصري. قال الخطيب: كان حافظاً عارفاً متكلماً شاعراً. وفيها توفي ابن البواب الكاتب علي بن هلال. قيل ليس له في الكتابة مثل ولا مقارب، وإن كان أبو علي أول من نقل هذه الطريقة من الخط الكوفي، وأبرزها في هذه الصورة، وله بذلك فضيلة السبق، وخطه أيضاً في نهاية الحسن، لكن ابن البواب هذب طريقته، ونقاها، وكساها حلاوة وبهجة، والكل معترفون له بالتفرد، وعلى منواله ينسجون، وليس فيهم من يلحق شأنه، ولما توفي رثي بهذين البيتين:
استشعر الكتاب فقدك سالفاً ... وقضت بصحة ذلك الأيام
فلذاك سودت الروي كأنه ... أسف عليك وشقت الأقلام
وروى ابن الكلبي الهيثم بن العدي أن ناقل هذه الكتابة من الحيرة إلى الحجاز هو حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان قد قدم الحيرة، فعاد إلى مكة بهذه كتابة، وقال لأبي سفيان بن حرب: ممن أخذ أبوك هذه الكتابة؟ فقال: من أسلم بن نذر، وقال: سألت أسلم ممن أخذ الكتابة فقال: من واضعها، من عامر بن مرة. قالوا: فحدوث هذه الكتابة قبل الإسلام بقليل. وكان لحمير كتابة تسمى المسند، وحروفها منفصلة غير متصلة، وكانوا يمنعون العامة من تعليمها، فلا يتعاطاها أحد إلا بإذنهم، فجاءت ملة الإسلام، وليس بجميع اليمن من يقرأ ويكتب، وجميع كتابات الأمم من سكان الشرق والغرب اثنتا عشرة كتابة، وهي العربية والحميرية واليونانية والفارسية والسريانية والعبرانية الرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية.
فيها اشتد الخطب ببغداد بسبب الحرامية وأخذهم أموال الناس عياناً، يأخذون للتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار، وقتلوا صاحب الشرطة، وباقي الناس لا يجسرون يقولون: فعل بنا فلان كذا، خوفاً منه. وزادت العملات والكبسات ووقع القتال، وأحرقت أماكن وأسواق