المسعودي الفقيه الشافعي الفاضل المبرز الورع، من أهل مرو. تفقه على أبي بكر القفال المروزي، وشرح مختصر المزني، وأحسن فيه، وروى قليلاً من الحديث عن أستاذه القفال. وحكى عنه الغزالي في كتاب الوسيط في الايمان مسألة لطيفة فقال: فرع لو حلف لا يأكل بيضاً، ثم انتهى إلى رجل، فقال: والله لآكلن ما في كمك، فإذا هو بيض، فقد سئل القفال عن هذه المسألة وهو على الكرسي فلم يحضر جواب. فقال المسعودي: يتخذ منه الناطف، ويأكله، فيكون قد أكل ما في كمه، ولم يأكل البيض، فاستحسن ذلك منه. وهذه الحيلة من لطائف الحيل الوافية من الوقوع في الخلل. توفي المسعودي المذكور بعد نيف وعشرين وأربع مائة بمرو - رحمه الله تعالى - ونسبته إلى جده مسعود.
فيها عزم الصوفي الملقب بالمنصور على الغزو، فكتب له السلطان منشوراً، وقصد الجامع لقراءة المنشور وبين يديه الرجال بالسلاح يترضون على الشيخين، وصاحوا: هذا يوم معاوي. قلت: يعنون فيه إظهار شعار معاوية بن ابي سفيان في الذكر لإبي بكر وعمر دون علي رضي الله تعالى عنهم فحصبهم أهل الكرخ، فسارت الفتنة، واضطربت، ونهبت العامة دار الشريف المرتضى، ودافع عنه جيرانه الأتراك، واحترقت له سرية، وبات الناس في ليلة صعبة، وتأهبوا للحرب، واجتمعت العامة وخلق من الترك، وقصدوا الكرخ، فرموا النار في الأسواق، وأشرف أهل الكرخ على التلف، فركب الوزير والجند، فوقعت آجره على صدر الوزير، وسقطت عمامته، وقتل جماعة من الشيعة، وزاد النهب فيهم، واحرق في هذه السائرة عدة اسواق، ولم يجر من السلطان إنكار لضعفه وعجزه، وتبسطت العامة، وآثاروا الفتن: فالنهار فتن ومحن، والليل عملات ونهب. وقامت الجند على السلطان جلال الدولة لإطراحه مصالحهم، وراموا قطع الخطبة، فارضاهم بالمال، فساروا بعد أيام عليه. وثم مات القادر بالله، واستخلف ابنه القائم بأمر الله، فبايبعه الشريف المرتضى، ثم الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر، وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة، فقال: إن القادر لم يخلف مالاً، وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء، ثم صالحهم على ثلاثة ألاف دينار، وعرض القائم خاناً وبستاناً للبيع، وصغر دست - الخلافة إلى هذا الحد، وصارت الأموال والأعمال مقسومة بين الأتراك والأعراب، مع ضعف ارتفاع الخراج، والوزارة خالية من أهلية، وما يناسبها من صلاحيته، والوقت هرج ومرج، والناس بلا رأس.