فيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين ابن موسى النيسابوري السلمي الصوفي. صحب جده أبا عمرو بن نجيد، وسمع الأصم وطبقته، وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك، وبلغت مصنفاته مائة. وقال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، وكان مع ذلك مجلوداً صاحب حديث. توفي في شعبان رحمه الله تعالى. وفيها توفي أبو عبد الله بن جعفر التميمي النحوي، المعروف بالقزاز القيرواني. كان الغالب عليه النحو واللغة، وله عدة تآلي، وكان العزيز بن المعز العبيدي صاحب مصر قد تقدم إليه أن يؤلف كتاباً، يجمع فيه سائر الحروف التي ذكر النحويون أن الكلام كله اسم وفعل وحرف جاملي. قال ابن الخزاز: وما علمت أن نحوياً ألف شيئاً من النحو على حروف المعجم سواه. وقال ابن رشيق: وكان مهيباً عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوباً عند العامة، قليل الخوض إلا في علم دين أو دنيا، وله شعر مطبوع منصوع، من ذلك قوله:
أما ومحل حبك في فؤادي ... وقدر مكانه فيه المكين
لو انبسطت لي الآمال حتى ... يصير من عنانك في يميني
لصنتك في مكان سواد عيني ... وحطت عليك من حذر جفوني
فأبلغ منك غايات الأماني ... وآمن فيك آفات الظنون
فلي نفس تجرع كل يوم ... عليك بهن كاسات المنون
إذا أمنت قلوب الناس خافت ... عليك خفي ألحاظ العيون
فكيف وأنت دنياي ولول ... عتاب الله فيك لقلت ديني
وقوله:
أحين علمت أنك نور عيني ... وأني لا أرى حتى أراكا
جعلت مغيب شخصك عن عياني ... يغيب كل مخلوق سواكا
وبلغ جملة الكتاب الذي ألفه العبيدي ألف ورقة، جمع فيه المفرق من الكتب النفيسة على أقصر سبيل، وأقرب ما يؤخذ، وأوضح طريق، وكأنه قد اقترح عليه أن يؤلفه على حروف المعجم، على وجه لم يسبق إليه كما تقدم.