بضبطه القلم، وإلى فضل الحكم فصل الحكم. ومن. مشهور ما ينسب إليه من الشعر قوله:

قل للذي بصروف المصر عيرنا ... هل حارب الدهر إلا من له خطر

أما ترى البحر يعلو فوقه جيف ... ويستقر بأقصى قعره الدرر

فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنا ... ونالنا من تمادي بؤسه ضرر

ففي السماء نجوم ما لها عدد ... وليس يكسف إلا الشمس والقمر

وله من النظم والنثر أشياء مستحسخة، وكذلك كان خطه في نهاية من الحسن. وكان الصاحب ابن عباد إذا رآه قال: هذا خط قابوس أم جناح الطاوس؟ وينشد قول المتنبي:

في خطه من كل قلب شهوة ... حتى كأن مداده الأهواء

ولكل عين قرة في قربه ... حتى كأن مغيبه الأقذاء

وكان الأمير المذكور صاحب جرجان وتلك النواحي، وكانت من قبله لأبيه، ثم انتقلت مملكة جرجان عنهم إلى غيرهم، وشرح ذلك يطول. وكان ملك قابوس المذكور لها في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، وكانت المملكة قد انتقلت إلى أبيه من أخيه. قالوا: وكان قابوس من محاسن الدنيا وبهجتها، غير أنه على ما خص به من المناقب والرأي البصير بالعواقب من السياسة لا يساغ كأسه، ولا تؤمن سطوته وبأسه، يقابل زلة القدم، ولا يذكر العفو عند الغضب على من أجرم، فما زال على هذا الخلق قابوس حتى استوحشت منه النفوس، وانقلبت عنه القلوب، وتجافى الصاحب عن المصحوب، فأجمع أهل عسكره على خلعه عن ولايته، ونزع الأيدي عن طاعته، وحالوا بينه وبين جرجان، وملكوها، وبعثوا إلى ولده أبي منصور ليعقد البيعة له، فأسرع في الحضور. فلما وصل إليهم أجمعوا على طاعته أن خلع أباه، فلم يسعه في تلك الحال إلا المداراة، فأجابهم خوفاً على خروج الملك عن بيتهم ولما رأى قابوس هذا المرام، توجه بمن معه من خواصه إلى ناحية بسطام، لينظرما يستقر عليه الأمر. فلما سمعوا بخروجه حملوا ولده على قصده وإزعاجه عن مكانه، ومقابلته بالشر. فسار معهم مضطراً إلى أبيه، فتلاقيا، وتباكيا لما جرى من تغير الحال، وتشاكيا، وعرض الولد نفسه أن يكون حجاباً بينه وبين أعاديه، فلو قوبل بالقتال لقتل، وذهب نفسه فيه. ورأى الوالدان ذلك لا يجدي، ولا توجد نجدة، وأن ولده أحق بالولاية والملك بعده، فسلم إليه خاتم المملكة، واستوصاه خيراً بنفسه ما زال في قيد الحياة واتفقا على أن يكون الوالد في بعض القلاع إلى حلول أجله والأنسلاخ من الحياة والانقطاع، أو فناء أعاديه من البلاد والقلاع. فانتقل إلى قلعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015