وقال الشيخ أبو القاسم بن برهان النحوي: من سمع مناظرة القاضي أبي بكر لم يستلذ بعدها لسماع كلام أحد من المتكلمين والفقهاء والخطباء والمترسلين، ولا الأغاني أيضاً لطيب كلامه وفصاحته وحسن نظامه وإشارته. وله التصانيف الكثيرة في الرد على المخالذين من المعتزلة والرافضة والخوارج والمرجئة والمشبهة والحشوية. وحكى الحافظ ابن عساكر عن أهل العلم أنه قال: كان القاضي أبو بكر فارس هذا العلم مباركاً علي هذه الأمة، يلقب سيف السنة ولسان الأمة، وكان مالكياً فاضلاً متورعاً ممن لم يحفظ عليه زلة قط، ولا تنسب إليه نقيصة. وذكر الإمام القاضي أبو المعالي بن عبد الملك، عن الشيخ الإمام أبي الحاكم القزويني قال: كان الإمام أبو بكر الأشعري يضمر من الورع والديانة والزهد والصيانة أضعاف ما كان يظهره، فقيل له في ذلك فقال: إنما ظهر ما أظهره غيظاً لليهود والنصارى والمبتدعين المخالذين، لئلا يستحقروا علماء الحق والدين. وقال الحافظ ابن عساكر: كان الانتساب إلى الاعتزال فاشياً منتشراً، وكل من كان متسنناً مستخفياً مستتراً إلى أن قام القاضي أبو بكر بنصرة المذهب، واشتهر في المشرق والمغرب. وكان مظهره بدار السلام التي هي قبة الإسلام، فلم يظهر لذلك تغيير من الأنام، ولا نكرة من العلماء والعوام بل كان الكل يتقلدون منه المنة من العوام، والأئمة يلقبونه بأجمعهم سيف السنة ولسان الأمة. وكان بينه وبين جماعة من الحنابلة مخالطة ومؤانسة واجتماع ومجالسة. ونقل الحافظ ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الخوارزمي قال: كل مصنف ببغداد، إنما ينقل من كتب الناس إلى تصانيفه، سوى القاضي أبي بكر، فإن صدره يحوي علمه وعلم الناس. وروى الحافظ الخطيب أنه كان القاضي أبو بكر يهم أن يختصر ما يصنفه، فلا يقدرعلى ذلك لسعة علمه وكثرة حفظه. ولما توفي حضر الشيخ أبو الفضل التميمي الحنبلي حافياً مع إخوانه وأصحابه، وأمر أن ينادي بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، هذا إمام المسلمين، هذا الذي كان يذب عن سنة الشريعة المخالذين، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين. وروى الحافظ أبو القاسم بسنده إلى القاضي أبي الفخر قال: سمعت الطائي يقول: كنت أشتهي أن أرى القاضي الإمام أبا بكر في النوم، فلم يتفق لي، فنمت ليلة، وصليت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألف مرة، وسألت الله تعالى ونمت، فلما كان وقت السحر، رأيت جماعة حسنة ثيابهم، بيضاء وجوههم، طيبة