فما نطق مخلوق. قلت: هكذا أطلق بعضهم، ولم يبين من هو القابل ذلك منهما، هل نهى عضد الدولة أن يدعى للخليفة؟ أو نهى الخليفة أن يدعى لعضد الدولة. في ذلك احتمالان آخران: أحدهما أن يكون نهى الخليفة عن الدعاء لنفسه خوفاً أن يغار عضد الدولة، ويظهر منه غيظ وغضب. والثاني أن يكون الناهي هو عضد الدولة، نهى أن يدعى له تواضعاً للخليفة. والله أعلم بحقيقة ذلك، أيهما كان هو الناهي عن أن يدعى لنفسه. فقد أحسن في ذلك. وفي السنة المذكورة توفي شيخ الحنفية ببغداد الفقيه أحمد بن علي صاحب أبي الحسن الكرخي، وإليه انتهت رئاسة المذهب. وكان مشهوراً بالزهد والدين، عرض عليه قضاء القضاة فامتنع. وله عدة مصنفات.
وفيها توفي محمد بن الحسن بن رشيق المصري.
وفيها توفي النحوي اللغوي، صاحب التصانيف، وشيخ أهل الأدب: الحسين بن أحمد الهمداني، المعروف بابن خالويه، دخل بغداد، وأدرك جلة من العلماء مثل ابن الأنباري، وابن مجاهد المقرىء، وأبي عمر والزاهد، وابن دريد، وقرأ على السيرافي، وانتقل إلى الشام، واستوطن حلب، وصار بها أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب، وكانت الرحلة إليه من الآفاق. وآل حمدان يكرمونه، ويدرسون عليه، ويقتبسون منه وهو القائل: دخلت يوماً على سيف الدولة، فلما مثلت بين يديه قال لي: اقعد، ولم يقل: اجلس. فتبينت بذلك إعلاقه بأهداب الأدب، واطلاعه على أسرار كلام العرب.
قال ابن خلكان وإنما قال ابن خالويه هذا لأن المختار عند أهل الأدب أن يقال للقائم اقعد وللنائم والساجد اجلس. وعلله بعضهم بأن القعود هو الانتقال من العلو إلى السفلى، ولهذا قيل لمن أصيب برجله مقعد. والجلوس هو الانتقال من السفل إلى العلو. ولهذا قيل: لنجد جلساً لارتفاعها، وقيل لمن أتاها: جالس، وقد جلس منه قول مروان بن الحكم لما كان والياً بالمدينة يخطب الفرزدق:
قل للفرزدق، والسفاهة كاسمها ... إن كنت تارك ما أمرتك فاجلس
أي اقصد الجلسا، وهي بحذو هذا البيت من جملة أبيات، وهذا كله في غير موضعه لكن للكلام شجون.
ولابن خالويه المذكور كتاب كبير في الأدب سماه " كتاب ليس " وهو يدل على اطلاع عظيم، فإن مبني الكلام من أوله إلى آخره على أنه ليس في كلام العرب كذا. وله كتاب لطيف سماه " الآل "، وذكر في أوله أن الآل ينقسم إلى خمسة وعشرين قسماً، وما اقتصر