الذبياني، وما قال الشعر إلا قليلاً، والنابغة الجعدي قال الشعر ثلاثين سنة ثم نبغ، فالشعر الأول من قوله جيد بالغ، والآخر كأنه مسروق، وقال: تسعة أعشار شعر الفرزدق سرقة، وكان يكابر، وأما جرير فله ثلاثمائة قصيدة، وما علمت سرق شيئاً قط إلا نصف بيت، ولا أدري لعله وافق شيء شيئاً. قلت: يعني أشاروا إليه في قولهم: قد يقع الحافر على الحافر.
رجعنا إلى ذكر المتنبي: ذكروا أنه مدح عدة ملوك، وقيل إنه وصل إليه من ابن العميد ثلاثون ألف دينار، ومن عضد الدولة صاحب شيراز مثلها. وأما تلقبه بالمتنبي، فذكروا أنه ادعى النبوة في بادية السماوة، وتبعه خلق كثير في تلك الناحية من كلب وغيرهم، فعند ظهور هذه الدعوى العظيمة التي تكذبها الآية الكريمة والأحاديث الصحيحة وإجماع الأمة بالأقوال الصريحة، خرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيذ، فأسره، وتفرق أصحابه، وحبسه طويلاً ثم استتابه، وأطلقه وقيل غير ذلك، قالوا وادعاء النبوة أصح. ثم التحق بالأمير سيف الدولة بن حمدان في سبع وثلاثين وثلاثمائة، ثم فارقه ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلاثمائة، فمدح كافوراً الإخشيذي، وكان يقف بين يديه وهو محتمل بسيف ومنطقة ويركب بحاجبين من مماليكه، وهما بالسيوف والمناطق، ولما لم يرضه هجاه وفارقه ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلاثمائة، ووجه كافور في طلبه رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق، وكان كافور قد ولاه بولاية بعض أعماله، فلما رأى تعاطيه في شعره السمو بنفسه خافه، وعوتب فيه فقال: يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أما يدعي المملكة مع كافور الإخشيذي. فحسبكم.
قال أبو الفتح بن جني: كنت أقرأ ديوان أبي الطيب عليه، فقرأت عليه قوله في كافور القصيدة التي أولها:
ألا ليت شعري هل أقول قصيدة ... ولا أشتكي فيها ولا أتعتب
وفيما يدور الشعر عني أقله ... ولكن قلبي يأتيه القوم قلب
قال: فقلت له تغر علي كيف يكون هذا الشعر في ممدوح غير سيف الدولة؟ فقال: حذرناه وأنذرناه فما نفع، ألست القائل فيه:
أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك ... ولا تعطين الناس ما أنت قائل
فهذا الذي أعطاني كافور بسوء تدبيره وقلة تميزه.
وكان لسيف الدولة مجلس بحضرة العلماء كل ليلة يتكلمون بحضرته، فوقع بين