الشيوخ والمسند.
وفيها توفي أبو الفوارس: شجاع بن جعفر الواعظ ببغداد وقد قارب المائة.
وفيها توفي الحافظ أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي.
فيها توفي المتنبي، الشاعر العصر الملقب بأبي الطيب، أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي نسباً الكوفي، ثم الكندي منزلاً، قدم الشام في صباه، وجال في أقطاره، واشتغل بفنون الأدب، ومهر فيها، وكان من المكثرين في نقل اللغة والمطلعين على غريبها ووحشيها، فلا يسأل عن شيء إلا ويستشهد فيه بكلام العرب من النظم والنثر، حتى قيل: إن الشيخ أبا علي الفارسي، صاحب الإيضاح والتكملة قال له: كم لنا من الجموع على وزن فعلى بكسر الفاء وسكون العين وفتح اللام. - فقال المتنبي في الحال: " حجلى " و " ظربى ". قال أبو علي: فطالعت كتب اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهذين الجمعين ثالثاً، فلم أجد.
قلت: وناهيك به. معرفة، في حق من يقول الإمام الجليل في العربية له هذه المقالة، ويشهد له بهذه الشهادة السنية. قال بعضهم: " وحجلى " جمع حجلة، وهو الطائر المسمى القبج: بفتح القاف وسكون الموحدة وبالجيم. " والظربى ": بكسر الظاء المعجمة وسكون الراء وبعدها موحدة: جمع ظربان، على وزن قطران، وهي دويبة منتنة الرائحة. وأما شعر المتنبي فكثرة شعره تغني عن مدحته.
قال ابن خلكان: والناس في شعره على طبقات: فمنهم من يرجحه على شعر أبي تمام ومن بعده، ومنهم من يرجح أبا تمام عليه، قال: واعتنى العلماء بديوانه فشرحوه، وذكروا أن أحد مشايخه الذين أخذ عنهم قال: وقفت له على أكثر من أربعين شرحاً، ما بين مطولات ومختصرات، ولم أر هذا بديوان غيره. وقال: ولا شك أنه رزق من شعره السعادة التامة. انتهى.
قلت: ولأهل الفضل من المتقدمين والمتأخرين خلاف كثير في تفضيل جماعة من الشعراء، بعضهم على بعض، وقد أوضحت ذلك في آخر الجزء الثاني من كتابي " الموسوم بمنهل المفهوم في شرح ألسنة العلوم ".
وعن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: اتفقوا على أن أشعر الشعراء امرؤ القيس والنابغة وزهير. قلت: يعني بذلك من الشعراء القدماء، ومعلوم أن كثيراً من الشعراء البارعين حذقوا