ذلك أيضاً أن في كل ثلاث مراحل إلا خمسة أميال وثلث في السير إلى جهة الشمال يرتفع القطب درجة، ويكون عرض البلد الذي انتهى إليها زائداً بدرجة على عرض التي ابتدأ بالسير منها، بالثلاث المراحل المذكورة، إذ كانت المرحلة أربعاً وعشرين ميلاً، كما قدروها في مسافة القصر.

ومما يدلك على صحة هذا، أن عرض " المدينة المشرفة " تزيد على عرض مكة المعظمة بثلاث درج، والله أعلم. وهذا لعمري يخالف ما قيل في أثر، وورد في الخبر أن الأرض مسيرة خمسمائة عام، والله سبحانه العلام.

رجعنا إلى كلام ابن خلكان وقال: يعلم ما في الأرض من المعمور، وهو قدر ربع الكرة بطريق التقريب، وقد انتشر الكلام، وخرجنا عن المقصود، ولكنه ما خلا عن فائدة أحببت إثباتها، ليقف عليها من يستنكر ما قالوه في تضعيف الخبر المذكور في رقعة الشطرنج، يعني أنه يبلغ قدره إلى ما ذكر، وإن كان ذلك مما يستنكر.

ثم قال: ولنرجع إلى حديث الصولي: حكى المسعودي في كتاب مروج الذهب قال: وقد ذكر أن الصولي في بدء دخوله على الإمام المكتفي لعب مع الماوردي بالشطرنج، وكان الماوردي متقدماً عند المكتفي، متمكناً من قبل، معجباً به للعب، فلما لعبا جميعاً بحضرة المكتفي حمد المكتفي حسن رأيه في الماوردي، وتقدم الحرمة والألفة على نصرته وتشجيعه وتنبيهه، حتى أدهش ذلك الصولي في أول وهلة، فلما اتصل اللعب بينهما، وجمع له الصولي هذه وقصده بكليته، غلبه غلبة لا يكاد يرد عليه شيئاً، وتبين حسن لعب الصولي للمكتفي، فعدل عن هواه ونصرته للماوردي، وقال له عاد ماء وردك بولاً.

قال ابن خلكان: وأخبار الصولي، وما جرى له أكثر من أن تحصى، ومع فضائله والاتفاق على تفننه في العلوم، وخلاعته وظرافته، ما خلا من منتقص هجاه هجواً لطيفاً، وهو أبو سعيد العقيلي بضم العين المهملة وفتح القات فإنه رأي له بيتاً مملوءاً كتباً، قد صنفها، وجلودها مختلفة الألوان، وكان يقول: هذه كلها سماعي وإذا احتاج إلى معاودة شيء منها قال: يا غلام هات الكتاب الفلاني، فقال أبو سعيد المذكور هذه الأبيات:

إنما الصولي شيخ ... أعلم الناس خزانة

إن سألناه بعلم ... طلب منه إبانة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015