الأرض، والتقى طرف الحبل، فإذا مسحنا ذلك الحبل كان طوله أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف. قال: وذلك قطعي لا شك فيه.
وقد أراد المأمون أن يقف على حقيقة ذلك، وكان معروفاً بعلوم الأوائل وتحقيقها
ورأى فيها أن دور كرة الأرض عشرون ألف ميل. فسأل بني موسى بن شاكر - وكانوا قد اجتهدوا في معرفة علم الهندسة وغيرها من علم الأوائل - فقالوا: نعم، هذا قطعي، فقال: أريد منكم أن تعلموا الطريق الذي ذكره المتقدمون، حتى يبصر هل ينجز ذلك أم لا. فسألوا عن الأراضي المتساوي البلاد فقيل لهم: صحراء سنجار في غاية الاستواء، وكذلك وطأة الكوفة، فأخذوا معهم جماعة ممن يثق المأمون إلى أقوالهم، ويركن إلى معرفتهم بهذه الصناعة، وخرجوا إلى صحراء سنجار، فوقفوا في موضع منها، وأخذوا ارتفاع القطب الشمالي ببعض الآلات، وضربوا في ذلك الموضع وتداً، وربطوا فيه حبلاً طويلاً، ثم مشوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف. إلى يمين أو شمال، بحسب الإمكان، فلما فرغ الحبل نصبوا في الأرض وتداً آخر، وربطوا فيه حبلاً آخر، ومشوا إلى جهة الشمال أيضاً كفعلهم الأول، ولم يزل دأبهم ذلك، كلما فرغ الحبل ضربوا وتداً، وربطوا فيه طرف ذلك الحبل الذي فرغ، وطرف حبل آخر، ومشوا إلى جهة الشمال حتى انتهوا إلى موضع، أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور، فوجدوا قد زاد عن الارتفاع الأول درجة. فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبال، فبلغ ستة وستين ميلاً وثلثي ميل.
ومن المعلوم أن عدد درج الفلك ثلاثمائة وستون درجة، لأن الفلك مقسوم باثني عشر برجاً، كل برج ثلاثون درجة، فضربوا عدد درج الفلك الثلاث مائة والستين، في ستة وستين ميلاً وثلثين التي هي حصة كل درجة، فكانت الجملة أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وهذا محقق لا شك فيه، فلما عاد بنو موسى إلى المأمون، وأخبروه بما صنعوا وكان موافقاً لما رآه في الكتب القديمة من استخراج الأوائل طلب تحقيق ذلك في موضع آخر أيضاً، فصيرهم إلى أرض الكوفة، ففعلوا فيها كما فعلوا في سنجار، فتوافق الحسابان، فعلم المأمون صحة ما حرره القدماء في ذلك. انتهى كلام ابن خلكان في ذكر مساحة دور كرة الأرض.
قلت: فعلى هذا يكون دور كرة الأرض مسيرة ألف مرحلة، وذلك مسيرة ثلاث سنين إلا ثمانين يوماً في مسير النهار دون الليل، أو الليل دون النهار، لأن المرحلة ثماني فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، كما هو معلوم في حساب مسافة القصر الشرعية. ولكن هذا ينافي ما قد اشتهر أن الأرض مسيرة خمسمائة سنة، مع أن طول الشيء أقل من دوره، وتعلم من