فإني ابن من كان يطلق الريح إذا شاء ويحبسها. وبحذائه قبر عليه مكتوب: كذب الماص بظر أمه. لا يظن أحد أنه ابن سليمان بن داود عليه السلام، إنما هو حداد يجمع الريح في الزق، ثم ينفخ بها الجمر.. قال: فما رأيت قبرين قبلهما يتشابهان. قلت: وفي هذا المعنى خطر لي وقت وقوفي عليه إنشاء بيت على طريق اللغز معيراً بارتحاله عن لسان حاله نائباً عنه في مقاله:
أنا ابن الذي للريح يمسك إن يشا ... ويرسلها إن شاء للنفع ثارها
ومما يناسب هذا مقال اثنين، مشهور لغزهما، ضمنته نظماً وآخرين اخترتهما لغزاً لفظاً ومعنى، وعن لغز الأربعة أشرت في بعض القصيدات بهذه الأبيات.
من اللغز قول اثنين كل مجاوب ... لبعض ولاة ناظماً مترفعاً
أنا ابن الذي ذلت رقاب الورى له ... ومخزومها منهم وهاشمها معا
إلى نحوها تأتي لأمر مطيعة ... فمرد بها والمال يأخذ خضعا
وقال الفتى الثاني له في جوابه ... وقد شام برق المجد من ذاك شعشعا
أنا ابن الذي لا ينزل الأرض قدره ... وإن نزلت تغلو وتعلا بمشبعا
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ... وقد ملؤوا الرحب الفسيح الموسعا
وخذ ثالثاً قال اعتز متفاخراً ... لمجد وجد كي يصان ويرفعا
أنا ابن الفتى دباج كل سمينة ... ومزهق أرواح تماض مصرعا
ومفن بشجعان القرون محصنا ... لسفرك أقران التسفك ضجعا
ورابعهم قال افتخار أمنا هيا ... بأصل وفصل للسناء متطلعا
أنا ابن الذي يكسو الأنام صنيعه ... بها وزينا من له الغير صنعا
يوصل وقطع مبرم في فعاله ... لما لم يصل في الدهر غير ويقطعا
عن الأولين استنجزوا وترحلوا ... وقد سمعوا المجد الأثيل المرفعا
فقيل ابن حجام وطباخ اعتزل ... إلى المجد كل باحتيال ليخدعا
وقل ثالثاً يحل الجزار فرية ... ومن حائك من للثلاثة ربعا
أعني أن الأولين وردا على بعض الولاة، فسألهما عن أصلهما، فأجابا بالجوابين المذكورين اللذين بين كثير من الناس مشهورين. ثم عبرت عن مقالهما بنظمي المذكور، ثم أنشأت على وجه الإختراع لغزاً لإثنين آخرين ليس له عند أحد من الناس سماع، وأشرت إلى ذلك بقولي: " وخذ ثالثاً إلى الآخر "، ثم أوضحت وصف الأربعة يكون الأولين ابني حجام وطباخ، والآخرين ابني جزار وحائك. وقصيدتي المذكورة هي الموسومة بنزهة النطار، مشتملة على ستة من العلوم، ثم شرحتها شرحاً موسوماً بمنهل الفهوم المروي من صدى