فيما ولآك، وراقبه في رعاياك التي استرعاك، فقد سهلت والله لك الوعور، وجمعت على خوور، ورجا بك الصدور. وكنت كما قال أخو جعفر بن كلاب: ومقام ضيق فرجته بلسان وبيان، وجدل لو يقوم القيل أو قياك في مقام كمقامي لرجل، أو قال: نفسك فأراد يحيى بن خالد البرامكي أن يضع مقدار عبد الملك عند الرشيد فقال له: بلغني أنك حقود، فقال عبد الملك: إن يكن الحقد هو بقاء الخير والشر عندي فإنهما لباقيان في قلبي، قال. الأصمعي: فالتفت الرشيد إلي وقال: يا أصمعي، والله لو نظرت إلى موضع السيف من عنقه مراراً، يمنعني من ذلك إبقائي على قومي في مثله.

ومما روى يموت أيضاً أن أحمد بن محمد بن عبد الله المعروف بابن المدبر الكاتب أن إذا مدحه شاعر، ولم يرض شعره قال لغلامه: امض به إلى المسجد ولا تفارقه حتى يصلي مائة ركعة، ثم أطلقه. فتحاماه الشعراء من الأفراد المجيدين، فجاءه أبو عبد الله الحسن بن عبد السلام المعروف بالجمل، فاستأذنه في النشيد فقال: قد عرفت الشرط؟. قال: نعم، ثم أنشده.

أردنا في أبي حسن مديحاً ... كما بالمدح ينتجع الولاة

فقلنا: أكرم الثقلين طراً ... ومن كفاه دجلة والفرات

فقالوا: يقبل المدحات لكن ... جوائزه عليهن الصلاة

فقلت لهم: وما تغني صلاتي ... عيالي إنما الشأن الزكاة

فتأمرني بكسر الصاد منها ... وتصبح لي الصلاة هي الصلات

فضحك ابن المدبر واستطرفه، وقال: من أين أخذت هذا؟ فقال: من قول أبي تمام الطائي:

هن الحمام وإن كسرت عناقه ... من جابهن فإنهن حمام

فاستحسن ذلك، وأحسن صلته، وحدث ابن المزرع أيضاً عن خاله أبي عثمان الجاحظ أنه قال: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود بن الحسن الشاعر المعروف بالوراق وكانت تسمى بشنوى، وكان شديد الغرام بها، وبذل في ثمنها سبعة آلاف دينار، فامتنع محمود من بيعها، لأنه كان يهواها أيضاً. فلما مات محمود بيعت الجارية للمعتصم تركته بسبعمائة دينار، فلما دخلت عليه قال لها: كيف رأيت تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلاف دينار بسبعمائة دينار؟. فقالت: أجل. إذا كان الخليفة ينتظر لشهواته المواريث فإن سبعين ديناراً لكثيرة في ثمني، فضلاً عن سبعمائة، فخجل المعتصم.

وقال ابن المزرع: حدثني من رأى قبراً بالشام عليه مكتوب: لا يغترن أحد بالدنيا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015