خراسان. كان كبير الشأن صاحب أحوال وكرامات وسمو في المقامات، وكان عجباً في الجود والسماحة. ويقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء، أو لمحه بقلبه. وقد نفد مرة بضعة عشر ألف دينار يستفك بها أسارى، وبات وليس له عشاء، ومن كلامه: حسن أدب الظاهر عنوان حسن أدب الباطن. والفتوة أداء الإنصاف، وترك مطالبة الإنتصاف. وقال: من لم يزن أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره، فلا تعده في ديوان الرجال.
وفيها توفي محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالحجة وبالقائم وبالمهدي وبالمنتظر، وبصاحب الزمان. وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب، وهو عندهم خاتم الأثني عشر الإمام. وضلال الرافضة ما عليه مزيد، فإنهم يزعمون أنه داخل السرداب الذي بسر من، رأى، وأمه تنظر إليه، فلم يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين، وقيل ست وخمسين ومائتين وهو الأصح، فاختفى إلى الآن، وكان عمره لما عدم تسع سنين، وقيل أربع سنين، وقيل غير ذلك في سنه، وفي السنة التي عدم فيها. وهم ينتظرون ضالته منذ خمس مائة سنة، وما وجدوها ولا يجدونها.
قلت: والمهدي الذي وردت به الأخبار، اسمه محمد بن عبد الله، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: " يواطي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي "، وقد أوضحت فساد مذهبهم، وما هم عليه من الضلالة والخرافات والمحال في " كتاب المرهم في علم الأصول ".
وفي السنة المذكورة توفي الإمام العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي، مفتي القيروان، تفقه على أبيه، وكان بارعاً مناظراً كثير التصانيف، معظماً بالقيروان، خرج له عدة أصحاب، وما خلف بعده مثله.
وفيها توفي يعقوب بن الليث الصفار الذي غلب على بلاد المشرق، وهزم الجيوش. وقام بعده أخوه عمرو بن ليث، وكانا شابين صفارين فيهما شجاعة مفرطة، فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان، فآل أمرهما إلى الملك، ولما مات يعقوب قام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة، وامتدت أيامه. وكان موت يعقوب بالقولنج. وكتب على قبره: هذا قبر يعقوب المسكين. وقيل أن الطبيب قال: لا دواء لك إلا الحقنة، فامتنع منها وخلف أموالاً عظيمة من الذهب ألف ألف دينار ومن المراهم خمسين، ألف درهم.