أعرفه. وكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعضهم، ويقولون: الرجل منهم. وما كان منهم ضد ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم وقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وأما الثاني فهو كذا، وكذلك الثالث والرابع وباقي أحاديثه إلى تمام العشرة على الولاء، يرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه. ثم كذلك فعل بكل واحد من التسعة حتى رتب المائة جميعها كل واحد منها في موضعه إسناداً ومتناً، فأقر له الناس بالحفظ فاعترفوا له بالفضل. وكان ابن صاعد إذا ذكره يقول: الكيس النطاح. ونقل الفربري عنه أنه قال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. وعنه أنه قال: صنفت كتابي الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ست مائة ألف حديث، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. قلت: وسيأتي إن شاء الله تعالى أن سنن أبي داود خرجها من خمس مائة ألف حديث.
وقال الفربري: سمع صحيح البخاري يعني عليه تسعون ألف رجل، فما بقي أحد يروي عنه غيري. وممن روى عنه أبو عيسى الترمذي. وكانت ولادة البخاري يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة، وقيل اثنتي عشرة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة. وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر، ودفن يوم العيد بعد صلاة الظهر، رحمة الله عليه ورضوانه.
فيها وثب العلوي قائد الزنج والسودان على الأيلة، فاستباحها وأحرقها، وقتل بها نحو ثلاثين ألفاً، فساق العسكر لحربه سعيد لحاجب فالتقوا فانهزم سعيد واستحر القتل بأصحابه، ثم دخلت الزنج البصرة، وخربوا الجامع، وقتلوا بها اثني عشر ألفاً، وهرب باقي أهلها بأسوأ حال فخربت.
وفي السنة المذكورة توفي الحافظ المعمر أبو علي الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤذن، وله مائة وسبع سنين. " والحافظ " زهير بن محمد المروزي ثم البغدادي كان من أولياء الله، قال البغوي: ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه، كان يختم في رمضان تسعين ختمة رحمة الله عليهم.
وفيها توفي الحافظ صاحب التصانيف أبو سعيد الأشجع الكندي الكوفي.