أربع وخمسين ومائتين

فيها توفي العسكري أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا بر موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني. عاش أربعين سنة، وكان متعبداً فقيهاً إماماً، استفتاه المتوكل مرة، ووصله بأربعة آلاف درهم وهو أحد الأثني عشر الذين تعتظ الشيعة الغلاة عصمتهم. وكان قد سعي به إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحاً وكتباً، وأوهموه أنه يطلب الخلافة، فوجه من هجم عليه وعلى منزله، فوجدوه وحده في بيت مغلق، وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه ملحفة من صوف، وهو مستقبل القبلة، وليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، وهو يترم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فحمل إليه على الصفة المذكورة، فلما رآه عظمه وأجلسه إلى جنبه. وكان المتوكل يشرب وفي يده كأس، فناوله الكأس الذي في يده فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي وعظمي قط، فاعفني عنه. فعفاه، وقال له: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الزواية للشعر. قال: لا بد أن تنشدني، فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرجال، فلم ينفعهم القلل

واستنزلوا بعد إعراض معاقلهم ... فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعدما قبروا ... أين الأسرة والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منغمة ... من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين سائلهم ... تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قال: فأشفق من حضر على العسكري، وظنوا أن بادرة تبدر إليه، فبكى المتوكل بكاء طويلاً حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب وقال: يا أبا الحسن، أعليك دين. قال: نعم أربعة آلاف، فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله مكرماً. وكانت ولادته في ثالث عشر رجب، وقيل في يوم عرفة سنة أربع، وقيل ثلاث عشرة ومائتين. وقيل له العسكري: لأنه لما كثرت السباية في حقه عند المتوكل أحضره من المدينة وكان مولده بها وأقره بسر من رأى، وهي تدعى بالعسكر، لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره فقيل له: العسكر، ثم نسب أبو الحسن المذكور إليها، لأنه أقام بها عشرين سنة وأشهراً، وتوفي بها، ودفن في داره رحمة الله عليه.

وفيها توفي العتبي صاحب العتبة في مذهب مالك، وهو محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة الأموي العتبي القطري الأندلسي الفقيه، أحد الأعلام ببلده. أخذ عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015