يزيد بن هارون وجعفر بن عون وطبقتهما، وروى عنه إمام الأئمة المعروف بابن خزيمة. وقال: لم تر عيناي مثله، وقال غيره: يعد من الإبدال رحمة الله عليه.
وفيها توفي الفقيه العلامة المفخم القاضي المشهور يحيى بن أكثم " بالمثلثة " التميمي. كان فقيهاً بارعاً عالماً بصيراً بالأحكام، سالماً من انتحال البدعة، قائماً بكل معضلة، غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه، فقلده القضاء وتدبير مملكته، وكانت الوزراء لا تعمل شيئاً إلا بعد مطالعته، كذا قال طلحة الشاهد، وقال غيره: جعل المتوكل يحيى في مرتبة ابن أبي دؤاد، ثم غضب عليه، وقال أبو حاتم فيه نظر، قلت: وقد تقدم في ترجمة ابن أبي دؤاد أنه قال: كان ابتداء اتصالي بالمأمون أني كنت أحضر مجلس يحيى بن أكثم مع الفقهاء، وأنا عنده يوماً إذ جاء رسول المأمون فقال له: يقول لك أمير المؤمنين: أنتقل إلينا أنت وجميع من معك من أصحابك. قال: فلم يحدث أن أحضر معه، ولم يستطع أن يؤخرني، فحضرت مع القوم، فتكلمت بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظر إلي إلى آخر كلامه المتقدم.
ومنه أنه لما ولي المعتصم الخلافة جعل ابن أبي دؤاد قاضي القضاة، وعزل يحيى بن أكثم، وأنه سخط المتوكل على القاضي ابن أبي دؤاد وولده وصادرهما، وفوض القضاء إلى يحيى بن أكثم على ما ذكره ابن خفكان في تاريخه، وهو واضح في تقدم يحيى بن أكثم بولايته القضاء في زمن المأمون، ثم عزله بابن أبي دؤاد في زمن المعتصم، ثم عزل ابن أبي دؤاد، ابنه بابن أكثم في زمن المتوكل، وكل ذلك ظاهر على ما تقدم والله أعلم.
رجعنا إلى ذكر ابن أكثم. قال طلحة بن محمد المذكور: ولا نعلم أحداً غلب على سلطانه في زمانه إلا يحيى بن أكثم، وأحمد بن أبي دؤاد وسئل رجل من البلغاء عنهما ليهما لنبل فقال: كان أحمد يجد مع جاريته وابنته ويحيى، ويهزل مع خصيمه وعدوه، وكان يحيى سليماً من البلدة، وينتحل مذهب أهل السنة، بخلاف ابن أبي دؤاد في إعتقاده وتعصبه للمعتزلة.
وذكر الفقيه أبو الفضل عبد العزيز بن علي في " كتاب الفرائض " في آخر المسائل الملقبات، وهي أربع عشرة المعروفة بالمأمونية التي هي: أبوان وابنتان، ولم يقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين، وخلفت من المسألة، الأولى سميت المأمونية لأن المأمون أراد أن يولي رجلاً على القضاء، فوصف له يحيى بن أكثم، فاستحضره، فلما دخل عليه وكان ذميم الخلق استحقره المأمون، فعلم ذلك يحيى فقال: يا أمير المؤمنين سلني إن كان القصد علمي لا خلقي، فسأله عن هذه المسألة فقال: الميت الأول رجل أو امرأة، فعلم المأمون أنه قد علم المسألة. وفي رواية أنه قال له: إذا عرفت الميت الأول فقد عرفت