ولما سمع هذا الشعر أبو هفان قال:
فقل للفاخرين على تزار ... وهم في الأرض ساداة العباد
رسول الله والخلفاء منا ... وتبرا من دعا لبني إياد
وما منا إياد إن أفوت ... بدعوة أحمد بن أبي دؤاد
فقال ابن أبي دؤاد: ما بلغ مني أحد ما بلغ مني هذا الغلام، لولا أني أكره أن أنبه عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحد بمثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة عروة، قلت قوله: كره أن الله عليه، يعني: إذا عاقبت لعاقبته عقاباً لم يعاقب به الناس لقوله الذي ذمني فيه، وكان بين ابن أبي دؤاد وبين الوزير مناقشات وشحناء، فمنع الوزير بعض أصحاب القاضي المذكور من التردد إليه، فبلغ ذلك القاضي، فجاء إلى الوزير وقال: ما أتيتك متكثراً بك من قلة، ولا متعززاً من زلة، ولكن أمير المؤمنين رتبك رتبة أوجبت لقاءك، فإن لقيناك فله، وإن تأخرنا عنك فلك، ثم نهض من عنده " وهجا " بعض الشعراء الوزير ابن الزيات بقصيدة، عدد أبياتها سبعون، فبلغ خبرها القاضي ابن أبي دؤاد فقال:
أحسن من سبعين بيتاً هجا ... جمعك معناهن في بيت
ما أحوج الملك إلى قطرة ... تغسل عنه وضر الزيت
فبلغ ابن الزيات ذلك فقال:
يا ذا الذي يطمع في هجونا ... عرضت بي نفسك للموت
الزيت لا يزري بأحسابنا ... أحسابنا معروفة البيت
قبرتم الملك فلم تنقه ... حتى غسلنا القار بالزيت
واستمر ولد القاضي المذكور في مكانه لما فلج حتى سخط المتوكل على القاضي أحمد المذكور وولده محمد في سنة سبع وثلاثين ومائتين، فصرفه عن المظالم، ثم عن القضاء، وأخذ من ولده مائة ألف وعشرين ألف دينار، وجواهر بأربعين ألف دينار، وقيل: صالح على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار، وستره إلى بغداد وفوض القضاء إلى يحيى بن أكثم، قال أبو بكر بن دريد: كان ابن أبي دؤاد متألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا وقد ضم منهم جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات حضر ببابه جماعة منهم، وقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم، وتاريخ الأدب، ولا يتكلم فيه إن هذا وهن وتقصير، فلما طلع سريره قام إليه ثلاثة منهم فقال أحدهم: