الزيات، وكان من أهل الأدب الظاهر والفضل الباهر، أديباً فاضلاً بليغاً عالماً بالنحو واللغة، وكان أبو عثمان المازني، إذا اختلف أصحابه في مسألة يأمرهم أن يسألوه، ويعرفوا جوابه، فيجيب: إن الصواب الذي يرضاه أبو عثمان.

وقد ذكر فضله غير واحد من المؤرخين، وأوردوا له من شعره عدة مقاطيع، وكان في أول أمره من جملة الكتاب، فسأل المعتصم وزيره أحمد بن عمار البصري يوماً عن الكلأ، ما هو؟ قال: لا أعلم، وكان قليل المعرفة بالأدب، فقال المعتصم: خليفة أمي ووزير كلامي، وكان المعتصم ضعيف الكتابة، ثم قال: أبصروا من بالباب من الكتاب، فوجدوا ابن الزيات المذكور فأدخلوا إليه فقال: ما الكلأ. فقال: الكلأ العشب على الإطلاق، فإن كان رطباً فهو الخلا، وإن كان يابساً فهو الحشيش. وشرع في تقسيم أنواع النبات، فعلم المعتصم فضله فاستوزره وحكمه وبسط يده، وجرت بينه وبين القاضي أحمد بن أبي داود أشياء مذكورة في ترجمة ابن أبي داود المذكور.

وحكي أن أبا حفص الكرماني كاتب عمرو بن مسعدة، كتب إلى ابن الزيات: أما بعد: فإنك ممن إذا غرس سقى، وإذا أسس بنى، وبناؤك في وذي قد شارف الدروس، وغرسك عندي قد عطش وأشفى على البؤس، فتدارك بناء ما أسست وسقي ما غرست. فبلغ ذلك أبا عبد الرحمن العطوي فقال: في هذا المعنى يمدح محمد بن عمران بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك.

إن البرامكة الكرام تعلموا ... فعل الجميل وعلموه أناساً

كانوا إذا غرسوا سقوا وإذا بنوا ... لا يهدمون لما بنوه أساساً

وإذا هم صنعوا الصنائع في الورى ... جعلوا لها طول البقاء لباساً

فعلام تسقيني وأنت سقيتني ... كأس المودة من جفائك كأساً

آنسني منفصلاً أفلا ترى ... أن القطيعة توحش الإيناسا؟

قلت: يعني بالبيت الذي قبل الأخير: فعلام تسقيني من جفائك كأساً وأنت تسقيني كأس المودة.

ولإبن الزيات المذكور أشعار رائقة فمن ذلك قوله:

سماعاً يا عباد الله مني ... وكفوا عن ملاحظة الملاح

فإن الحب آخره المنايا ... وأوله يهيج بالمزاح

وقالوا دع مراقبة الثريا ... ونم فالليل مسود الجناح

فقلت وهل أفاق القلب حتى ... أفرق بين ليلي والصباح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015