والعكس قال: فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر، فقلت: بكر، يا أمير المؤمنين، ففطن لما قصدته، وأعجب به، ثم قال: ما تقول في قول الشاعر، " أظلوم إن مصابكم رجلاً " أترفع رجلاً أم تنصبه؟ فقلت: بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين، فقال: ولم ذلك؟ فقلت: لأن مصابكم مصدر بمعنى أصابتكم، فأخذ اليزيدي في معارضتي، فقلت: هو بمنزلة قولك إن ضربك زيداً الظلم، فالرجل مفعول مصابكم، وهو منصوب به، والدليل على أنه معلق إلى أن يقول: ظلم، فيتم، قال: فاستحسنه الواثق، وقال: هل لك من ولد؟ فقلت بنية لا غير، قال: ما قالت لك حين ودعتها؟ قلت: أنشدت قول الأعشى:
أيا أبتا لا ترم عندنا ... فإنا بخير؟ إذا لم ترم
أدانا إذا أضمرتك البلاد ... يخفى ويقطع منا الرحم
قال: فما قلت لها. قال: قلت قول جرير:
ثقي بالله ليس له شريك ... ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى وأمر لي بألف دينار، وردني مكرماً، ويروي أول البيت الأول، شعر: " أبانا فلا رمت من عندنا "، ويروي أيضاً " أبانا إلا لا ترم عندنا "، يقال: رام يريم ريماً أي برح يبرح، وقولها: فلا رمت أي: فلا برحت، وعلى رواية لا ترم بكسر الراء: لا تبرح، هذا من رام يريم ريماً، وأما رام يروم روماً. فإن معناه طلب يطلب طلباً، قال المبرد: فلما عاد إلى البصرة قال لي: كيف رأيت يا أبا العباس؟ رددنا لله مائة فعوضنا ألفاً.
قلت: هذا مختصر القصة وفيها كلام طويل، أنشد في آخره:
إن المعلم لا يزال مضعفاً ... ولرأيتني فوق السماء بناء
من علم الصبيان صبوا عقله ... حتى الخلفاء والأمراء
فقال لي: لله درك، كف لي بك؟. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الغنم والفوز في قربك والنظر إليك، ولكني ألفت الوحدة، وأنست بالإنفراد، ولي أهل يوحشني البعد عنهم، ويضربهم ذلك، ومطالبة العادة أشد منه مطالبة الطبع، فأمر لي بألف دينار وكسوة وطيب وقال: لا تقطعنا.
وفي السنة المذكورة مات وزير المعتصم المعروف بابن الزيات أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن أبان، كان جده أبان يجلب الزيت من مواضعه إلى بغداد، فدعي بابن