عبد العزيز: قد عزم أمير المؤمنين على الركوب في زلال في نهر الأبلة ثم يخرج إلى دجلة، ويرجع في نهر معقد، وأحب أن يكون معه رجل عالم بالقصور والأنهار والقطائع، ليصفها له، فقال: لا أعرف من يفي بهذا، ويصلح له غير الأصمعي، قال: فأتني، فأتيته فتحدث بين يدي جعفر، فأضحكه وأعجبه، فأدخله إلى الرشيد، فركب معه، فجعل لا يمر بنهر ولا أرض إلا أخبر بأصلها وفرعها، وسمى الأنهار، ونسب القطائع، فقال الرشيد لجعفر: ويحك، ما رأيت مثل هذا قط، من أين غصت عليه؟ فلما قارب البصرة قال للرشيد: يا أمير المؤمنين والذي شرفني بخطابك، إن لي من كل ما مررت به موضع قدم، فضحك الرشيد وقال: اشتر يا جعفر أرضاً، فاشترى له بنهر الأبلة أربعة عشر جريباً بألف وأربع مائة دينار، وكان جعفر قد نهاه عن سؤاله، ووعده بكل ما يريد، فقال له: أما نهيتك عن سؤاله؟ قال: انتهزت الفرصة، فأخبرته خبري فكرم.
وقال الأصمعي: كنت بالبادية. كتب كل شيء أسمعه، فقال أعرابي منهم: أنت كمثل الحفظة، تكتب اللفظة، فكتبه أيضاً، قال: خرجت مع صديق لي بالبادية، فبينا نحن نسير، إذ ضللنا الطريق،، ثم نزلنا فإذا خيمة، فقصدناها فسلمنا، فإذا امرأة ترد علينا السلام، وقالت: ما أنتم؟ قلنا: قوم مارون أضللنا الطريق، فرأيناكم، فأنسنا بكم، فقالت: ولوا وجوهكم حتى أقضي من زمانكم ما أنتم له أهل، ففعلنا، فطرحت لنا مسحاً وقالت: اجلسا حتى يجيء ابني، فيقوم بما يصلحكم، فجلسنا، فجعلت ترفع طرف الخيمة وتنظر، إلى أن نظرت فقالت: أسألك الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ابني، وأما الراكب فليس بابني، فجاء الراكب حتى وقف عليها، فقال: يا أم عقيل عظم أجرك في عقيل، قالت: ويحك، أمات ابني؟ قال: نعم، قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت الإبل على ابنك، فرمت به في البير، قالت: انزل، فاقض زمام القوم، فنزل فذبح لنا كبشاً وأصلحه مع ملح، وقربه إلينا، فأكلنا ونحن نتعجب من صبرها، فلما فرغنا خرجت إلينا فقالت: يا هؤلاء: هل، فيكم أحد يحسن من كتاب الله عز وجل شيئاً؟ قال: قلت نعم، قالت: فاقرأ علي آيات من كتاب الله أتعزى بها، قال: فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "، فقالت: الله إنها لفي كتاب الله هكذا؟ قلت: الله إنها لفي كتاب الله هكذا، قالت: فالسلام عليك، ثم قامت فصفت قدميها، ثم صلت ركعتين، ورفعت يديها، وهي تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله أحتسب عقيلاً، تقول ذلك ثلاثاً، ثم قالت: اللهم إتني قد فعلت ما أمرتني، فأجزل ما وعدتني.