العتاهية: إني لا أستحسن قولك إعتذراً من البكاء إذ تقول:
كم من صديق سار لي ... فيه البكاء من الحياء
فإذا اتعظن لا منى ... فأقول ما بي من بكاء
لكن ذهبت لأرتدي ... فطرقت عيني بالرداء
فقال له: أيها الشيخ ما عرفته إلا من بحرك، ولا يحبه إلا من دخل، وأنت السابق حيث تقول:
وقالوا قد بليت، قلت كلا ... وهل يبلى من الجزع الخليل
فقالوا ما ولد معها سواء ... أقلت مقلتيك أصاب عود؟.
وحكي أن أبا العتاهية كان قد امتنع من الشعر، فأمر المدي بحبسه في سجن الجرائم، فلما دخل دهش، ورأى فنظر ما أهاله، فطلب موضعاً يأوي إليه فإذا هو يلهك حسن البزة، والوجه عليه سيماء الخير، فقصده وجلس إليه من غير سلام عليه شغلاً بما هو فيه من الجزع والحيرة، فمكث كذلك ليالي وإذا بالرجل ينشده:
تعود في الضر حتى ألقته ... أسلمني حسن العزاء إلى الصبر
وصرت في بأسي من الناس واثقاً ... بحسن صنع الله من حيث لا أدري
قال: فاستحسنت البيتين، وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فقلت له: تفضل أعزك الله علي بإعادتهما، فقال: يا إسماعيل، ويحك ما أسوأ دبك وأقل عقلك ومروءتك، دخلت فلم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولا سألتني مسألة الراد على المقيم، حتى سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيراً ولا أدباً ولا معاشاً غيره، فطفقت تستنشدني ابتداء كان بيتاً لأنسها، وسالف مودة توجب بسط القبض، ولم تذكر ما كان منك، ولا اعتذرت، غير ما ترى بدا من إساءة أدبك، فقلت: اعذرني متفضلاً، فدون ما أنا فيه مدهش، قال: وفيم أنت تركت الشعر الذي هو جاهك عندهم، وسبيلك إليهم، لا يدرون بقوله، فتطلق، وأنا يدعى الشفاعة بي، فأطلب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ذللت لقيت الله بدمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمي فيه، وإلا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك.، وأنت ترى صبري؟ فقلت: يكفيك الله، وخجلت منه، فقال: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين، ثم أعادهما علي مراراً حتى حفظتهما، ثم دعي به وبي، فقلت له: من أنت أعزك الله؟ قال: أنا حاضن صاحب عيسى بن زيد، فأدخلنا على المهدى، فلما وقفنا بين يديه قال للرجل: أين عيسى بن زيد. فقال: وما أدري أين عيسى بن زيد، طلبته فهرب منك في البلاد وحبستني، فمن أين أقف