أن ينشد فأنشد:
ألا ما لسيدتي ما لها ... أدلت فأحمل إدلالها؟
قال: فنخشني بشار بمرفقه وقال: ويحك، أرأيت من ينشد مثل هذا الشعر في هذا الموضع؟ حتى بلغ إلى قوله:
أتته الخلافة منقادة ... إليه تجر جرأ ذيالها
فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها أحد غيره ... لزلزلت الأرض زلزالها
قال فقال لي بشار: انظر ويحك يا أشجع، هل طار الخليفة عن فرشه. قال: فو الله ما انصرف من ذلك المجلس بجائزة غير أبي العتاهية، ومن شعره أيضاً هذه الأبيات في عمرو بن العلاء.
إني أمنت من الزمان وصرفه ... لما علقت من الأمير حبالاً
لو بست طبع الناس من إجلاله ... تحذو له خشية الحدود فعالاً
إن المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليك أسبابها ورمالاً
فإذا وردن بنا وردن خفائفاً ... وإذا صدرن بنا صدرن ثفالاً
قال: فأعطاه سبعين ألفاً، وخلع عليه، فغار الشعراء لذلك، فجمعهم وقال: يا معشر الشعرا، عجباً لكم، ما أشد حسدكم بعضكم بعضا، إن أحدكم يأتينا يمدحنا بقصيدة يشبب فيها بصديقه بخمسين بيتاً، فما يبلغها حتى تذهب لذاذة مدحه ورونق شعره، وقد أتى أبو العتاهية يشبب بأبيات يسيرة، ثم قال كذا وكذا وأنشد الأبيات المذكورة، فما لكم منه تغارون. انتهى الكلام، وهو من مقدمي المولدين في طبقة بشار وأبي نواس وتلك الطائفة.
ويحكى أنه لقي أبا نواس، فقال له: كم تعمل في يومك من الشعر. فقال البيت والبيتين، فقال أبو العتاهية: لكني أعمل في اليوم المائة والمائتين، فقال أبو نواس: لأنك تعمل مثل قولك.
يا عتب مالي ولك ... يا ليتني لم أرك
ولو أردت مثل هذا الألف والألفين لقدرت عليه وإنما أعمل مثل قولي، ثم أنشد شيئاً أبدع فيه، وقال: لو أردت مثل هذا لأعجزك الدهر، قلت: والذي أنشده كرهت ذكره ولا شتماً له على خلاعة وضيعة.
وحكى صاحب النصوص في اللغة أن أبا العتاهية زار يوماً بشار بن برد فقال له أبو