والأزهري، ولما استدعى به هارون الرشيد قال: بعد قصص كثيرة: ما علمك بكتاب الله؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن علوم القرآن كثيرة، أفتسألني عن محكمه ومتشابهه؟. أو عن تقديمه وتأخيره؟ أو عن ناسخه ومنسوخه. أو عما ثبت حكمه وارتفعت تلاوته. أو عن عكس ذلك. أو عما ضرب الله به مثلاً. أو عن ما جعله الله اعتباراً؟ . أو عن أخباره، أو عن أحكامه، أو عن مكية ومدنية؟. أو عن ليلية ونهارية؟ أو عن سفرية وحضرية؟. أو عن تنسيق رصفه أو تسوية سوره؟. أو نظائره أو إعرابه؟. أو وجوه قراءته أو حروفه؟ أو معاني لغاته أو عدد آياته؟. قال الراوي: فما زال الشافعي يعدد هذه حتى عدد ثلاثة وسبعين نوعاً من أنواع علوم القرآن.
قال هارون: لقد أوعيت من القرآن علماً عظيماً، فقال: المحنة على الرجل كالنار على الذهب. وكذلك سأله عن السنة، فأجابه أنه يعرف منها ما خرج على وجه الإيجاب، وعلى وجه الخطر، وعلى وجه الخصوص، وعلى وجه العموم، وما خرج جواب سائل، وما خرج لإزدحام العلوم في صدره صلى الله عليه وآله وسلم، وما فعله فاقتدى به غيره، وما خص به صلى الله عليه وآله وسلم فقال الرشيد أجدت ووضعت كل قسم في مكانه، فقال: ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، فقال: كيف بصرك بالعربية؟ فقال: هي مبدأنا طباعنا وألسنتنا، فقال: كيف معرفتك بالشعر. فقال: إني لأعرف الجاهلي منه والمخضرم والمحدث وطويله ومديده وكامله وسريعه ومجتثه ومنسرحة وخفيفه ورجزه وهزجه ومتقاربه وغزله وحكمته، وكذلك سأله عن الطب، فأجابه بأنه يعرف ما قاله علماؤه، وعددهم وغير ذلك من العلوم.
وكان شيوخ مكة يصفون الشافعي من أول صغره بالذكاء والعقل والصيانة، ويقولون: لم يعرف له صبوة.
وقال الشافعي: قدمت على مالك بن أنس، وقد حفظت الموطأ، فقال لي: أحضر من يقرأ لك، فقلت: أنا القارىء، فقرأت عليه الموطأ حفظاً، فقال: إن يك أحد يفلح، فهذا الغلام.
وروى الإمام أبو نعيم الأصفهاني أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تؤموا قريشاً، وأتموا بها الحديث "، قال فيه فإن عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً، وكان سفيان بن عيينة إذا جاء شيء من التفسير أو من الفتيا، التفت إلى الشافعي فقال: سلوا هذا.
وقال الحميدي: سمعت مسلم بن خالد الزنجي، يعني شيخ الشافعي يقول للشافعي: أفت يا أبا عبد الله، فقد والله لآن لك أن تفتي. وهو إذاك ابن. خمس عشرة سنة.