فقال المأمون: قبح الله من لا أدب له. ثم أخذ القرطاس وكتب، ولا يدري ماذا كتب، ثم قال: إذا أمرت أن تترب يعني الكتاب كيف تقول؟ قال: أترب. قال: فهو ماذا قلت: مترب. قال: فمن الطين؟ قال: طين. قال: فهو ماذا؟ قال: مطين: فقال هذه أحسن من الأولى. ثم قال: يا غلام أتربه وطينه، ثم أرسل بالكتاب إلى وزيره الفضل بن سهيل مع غلامه، وبعث معه النضر بن شميل، فلما قرأ الفضل الكتاب قال: يا نضر: إن أمير المؤمنين أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب فيه؟ فأخبره، فقال: لحنت أمير المؤمنين قال: كلا، إنما لحن هشيم، فتبع أمير المؤمنين لحانه. فأمر له بثلاثين ألف درهم أخرى، فأخذ ثمانين ألف درهم بحرف استفيد منه. والبيت الذي استشهد به هو لعبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي العرجي الشاعر المشهور، وهو من جملة أبيات، منها قوله:

أضاعوني، وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنتها بنحر

وسبب عمله لهذه الأبيات أنه حبسه محمد بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك، وكان والياً على مكة. وأقام في حبسه تسع سنين حتى مات في الحبس، من أجل أنه كان يشبب بأمه، ولم يكن ذلك عن محبة له فيها، بل ليفضح ولدها المذكور، وعاش ثمانين سنة.

وفيها: توفي الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرىء الحافظ الفقيه صاحب التصانيف.

وفيها: توفي أزهر بن سعد الباهلي مولاهم البصري. روى الحديث عن حميد الطويل، وروى عنه أهل العراق، وكان صحب أبا جعفر المنصور قبل أن يلي الخلافة، فلما وليها جاءه مهنئاً، فحجبه المنصور فترصد له في يوم جلوسه العام وسلم عليه، فقال له المنصور: ما جاء بك؟ قال: جئت مهنئاً بالأمر، فقال المنصور: أعطوه ألف دينار، وقولوا له: قد سمعت أنك مريض، فجئت عائداً، فقال: أعطوه ألف درهم، وقال: قد قضيت وظيفة العيادة، فلا تعد إلي فإني قليل الأمراض. فمضى وعاد في قابل، فحجبه، فدخل عليه في مثل ذلك المجلس، فسلم عليه، فقال له المنصور: ما جاء بك؟ فقال: سمحت منك دعاء، فجئت لأتعلمه منك، فقال له: يا هذا إنه غير مستجاب، إني في كل سنة أدعو الله تعالى به أن لا تأتيني وأنت تأتيني.

وله وقائع وحكايات مشهورة، قلت: وهذا من المنصور حلم، وطول روح، وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015