بالمدينة وغيرها، ثم عزل وأقام ببغداد إلى أن توفي بها، وكان فقيهاً أخبارياً نسابةً جواداً سرياً سخياً يحب المديح ويثيب عليه الجزيل، وكان إذا أعطى قليلاً أو كثيراً أتبعه عذراً إلى صاحبه، وكان يتهلل عند طلب الحاجة إليه حتى لو رآه من لا يعرفه لقال: هذا الذي قضيت حاجته، وكان جعفر الصادق وقد تزوج أمه. وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وبالغ في مدحه، وقال دخل شاعر فأنشده:
إذا افتر وهب خلته برق عارض ... ينعق في الأرضين أسعده السكب
وما ضر وهباً ذم من خالف الملا ... كما لا يضر البدر ينبحه الكلب
لكل أناس من أبيهم ذخيرة ... وذخرتي، فهو عقيد الندى وهب
فاستهل ضاحكاً وأمر له بصرة فيها خمس مائة دينار، وقوله ينعق أي ابتعج السحاب بالمطر، وقوله عقيد الندى وهو بمعنى قولهم فلان عقيد الكرم، وفي البخل يقولون عقيد اللؤم إذا بالغوا في المدح والذم، قلت ولعله مأخوذ من عقد العسل إذا أثخن، قال الجوهري يقال عقد الرب وغيره إذا غلظ فهو عقيد. وحكى الخطيب أن أبا البختري قال: لأن أكون في قوم أعلم مني أحب إلي من أن أكون في قوم أنا أعلم منهم، لأني إن كنت أعلمهم لم أستفد وإن كنت مع من هو أعلم مني استفدت. قلت: والتعليل بغير هذا أحسن وأصوب، وهو أنه إذا كان أعلم منهم تقلد الأمور الخطيرة، وأسندت إليه الخطوب المضرة التي لعله لا يكمل للقيام بها، ولا يأمن الوقوع في عطبها، وإذا كانوا أعلم منه انتفى عنه ذلك المحذور، وأمن من الخوف في عواقب الأمور، وله تصانيف، منها كتاب فضائل الأنصار، وأخباره ومحاسنه كثيرة، وأقوال المحدثين في الطعن فيه شهيرة.