مخالفاً لفتياه، وبعضهم جاء بمسائل عديدة من بلاد بعيدة اشكلت عليه، وسالني أن أنظرفيها رجاء وضوحها وزوال إشكالها، وهو شيخنا وسيدنا وبركتنا الإمام العالم العامل العابد، الخاشع الصالح الورع الزاهد حليف المحراب وبركة الأصحاب، بل بركة الزمن. ونور اليمن، جمال الدين محمد بن أحمد الذهيبي بضم الذال المعجمة وبالموحدة المثناتين من تحت المشهور بالنصال، قدس الله روحه ونور ضريحه، وزاده من الأنعام والأفضال. وبعض شيوخي المتصدرين للقضاء والتدريس وغيرهما من الفضائل الشرعية والمناصب العلية، لما قرأت عليه كتاب الحاوي في الفقه قال بعد ما أكملته للحاضرين به اشهدوا على أنه شيخي فيه، وقال لي لقد استفدت منك فيه أكثر ما استفدت مني وهو الامام الفاضل، ذو المحاسن والفضائل والأوصاف الحميدة، الجميلة العديدة، القاضي نجم الدين الطبري، رحمه الله تعالى. وبعض الفضلاء النجباء العلماء الألباء قال: لي ما نتكلم في فن إلا حسب سامعك أن ذلك فنك دون غيره، وبعضهم كان يسميني الفرضي لكونه حضر عندنا يوماً في حساب الفرائض مع أن اشتغالي بعلم الفرائض كان أقل من اشتغالي بغيره من العلوم، واشتغالي بالعلوم كان أقل من نصف عشر اشتغال غيري من العلماء، وكنت آتي جماعة من شيوخ الفقراء والفقهاء والصلحاء وأتبرك بهم، فلم يمض كثير من الزمان حتى جاءوني زائرين، وقد كانوا من العلماء المقتدين بهم والشيوخ المشار إليهم، وأنا إذ ذلك أمي لا أقرأ ولا أكتب، والحمد لله ذو الجلال والإكرام على ما عود فضله من الجميل والأنعام. رجعنا إلى ذكر الإمام مالك، قال ابن وهب: سمعت منادياً ينادي بالمدينة ألا لايفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب، وكان مالك إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس صدر فراشه، وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدث، فقيل له في ذلك، فقال: احب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان يكره أن يحدث على الطريق أو قائماً أو مستعجلاً، ويقول: احب أن أفقههم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفونة. وقال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: ايهما أعلم؟ صاحبنا أم صاحبكم، يعني الإمامين أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما، قال: قلت: على الأنصاف؟ قال: نعم قال: فقلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن أو قال بكتاب الله صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحبنا أم صاحبكم؟ قال اللهم صاحبكم، قال الشافعي: فلم يبق إلا القياس، والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء يقيس. وقال الواقدي: كان مالك يأتي المسجد، ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، وكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضور الجنائز، وكان يأتي أصحابها فيعزيهم، ئم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد ولا الجمعة، ولا يأتي أحد يعزيه، ولا يقضي له حقاً، واحتمل الناس له ذلك حتى مات عليه، وكان ربما قيل له في ذلك فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له إنه لا يرى إيمان بيعتكم هذه شيئاً، فغضب جعفر ودعا به وجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمراً عظيماً، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حلياً حلي بها. وذكر ابن الجوزي في كتاب صدور العقول أنه ضرب مالك بن أنس تسعين سوطاً لأجل فتوى لم توافق غرض السلاطين، وقد تقدم أنه ولد سنة أربع وتسعين، وقيل خمس وتسعين، فعاش أربعاً وثمانين سنة، وقال الواقدي مات وله تسعون سنة، والله أعلم با لصواب. وحكى الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتاب جذوة المقتبس قال: حدث القعنبي قال: دخلت على مالك في مرضه الذي مات فيه، فسلمت عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي، ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت لكل مسألة أفتيت بها برائي بسوط، ولقد كانت لي السعة فيما سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي أو كما قال، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة، ودفن بالبقيع، ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج بقوله: عليه وآله وسلم، وكان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه، ويقول لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدفونة. وقال الشافعي: قال لي محمد بن الحسن: ايهما أعلم؟ صاحبنا أم صاحبكم، يعني الإمامين أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما، قال: قلت: على الأنصاف؟ قال: نعم قال: فقلت: ناشدتك الله من أعلم بالقرآن أو قال بكتاب الله صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم. قال: قلت: فأنشدك الله من أعلم بالسنة صاحبنا أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم، قال قلت: فأنشدك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله