وقال بعضهم: أظنه في بلد نصيبين، وهو موضع الوقعة والشاري بفتح الشين المعجمة وبعد الألف راء واحدة، الشراة بضم الشين وهم الخوارج سموا بذلك لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين فارقنا الأئمة الجائرة. وكان الوليد المذكور أحد الشجعان الأبطال، وكان رأس الخوارج، خرج في خلافة هارون الرشيد وبغى وحشد جموعاً كثيرة، فأرسل إليه هارون جيشاً كثيفاً مقدمه أبو خالد يزيد بن مرثد بن زائدة الشيباني، فجعل يخاتله ويماكره وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد، فأغروا به الرشيد، وقالوا إنه يراعيه لأجل الرحم وإلا فشوكة الوليد يسيرة، وهو يواعده وينتظر ما يكون من أمره، فوجه إليه الرشيد كتاب مغضب، وقال: لو وجهت أحد الخدام أو قال أصغر الخدم لقام بأكثر ما تقوم به، ولكنك مداهن متعصب، وأمير المؤمنين يقسم بالله لئن أخرت مناجزة الوليد ليبعثن إليك من يحمل رأسك إلى أمير المؤمنين، فالتقيا فظهر على الوليد فقتله، وذلك في سنة تسع وسبعين ومائة في شهر رمضان، وهي وقعة مشهورة مسطورة في التاريخ. وفي السنة المذكورة توفي إمام دار الهجرة وشيخ الأئمة الجلة أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي، نسبة إلى بطن من حمير، يقال له ذو أصبح، ولد سنة أربع وتسعين، وسمع من نافع والزهري وطبقتهما وأخذ القراءة عرضاً عن نافع بن أبي نعيم، قال الإمام الشافعي: اذا ذكر العلماء فلمالك النجم. وكان مالك طويلاً جسيماً عظيم الهامة أبيض الرأس واللحية، وقيل تبلغ لحيته صدره، وقيل كان أشقر أزرق العينين يلبس الثياب العدنية الرفيعة البيض. وقال أشهب: كان مالك إذا أعتم جعل منها تحت ذقنه، ويسدل طرفيها بين كتفيه، وقال خالد بن خداش: رأيت على مالك طيلساناً وثياباً مروية جياداً، قيل: وكان يكره خلق الثياب، يعيبه ويراه من المثلة ولا يغير شيبه. وقال ابن عيينة لما بلغه موت مالك: ما ترك على وجه الأرض مثله. وقال أبو مصعب: سمعتعت مالكاً يقول: ما أفنيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وعنه أنه قال: قل رجل كنت أتعلم منه ومات حتى يجيئني ويستفتيني. قلت أخبر رضي الله عنه بنعمة الله تعالى عليه، وقد يقع مثل هذه الغيرة وقد والحمد لله وقع لي ذلك، فبعض شيوخي التمس مني أن يقرأ علي بعض العلوم وبعضهم سألني عن بعض الأحكام الفقهية، وبعضهم رجع عن بعض ما أفتى به لما وقف على ما أفتيت به