به هارون الرشيد كما سيأتي في ترجمته. وقال المنصور له يوماً: ويحك يا ربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت، فقال: ما طابت إلا بالموت، قال: وكيف ذلك؟ قال: لولا الموت لم تقعد هذا المقعد، قلت يعني أنه لو لم يمت الخليفة الذي قبلك لما وصلت الخلافة إليك، بل لو لم يمت أول ملك من ملوك الدنيا لما ملك أحد بعده، قال: صدقت، وقال له المنصور لما حضرته الوفاة: يا ربيع بعنا الآخرة بنومه. وقال ربيع: كنا يوماً وقوفاً على رأس المنصور، وقد طرحت للمهدي، وهو ولي عهده وسادة، اذا أقبل صالح بن المنصور، وكان قد رسخه لتولية بعض أموره، فقام بين السماطين والناس على قدر أنسابهم ومراتبهم، فتكلم فأجاد، فمد المنصور يده إليه، وقال يا بني، واعتنقه، ونظر إلى وجوه الناس، هل فيهم من يذكر مقامه ويصف فضله، وكلهم كرهوا ذلك بسبب المهدي خيفة منه، فقام شبة بضم الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة ابن عقال التميمي، فقال: لله در خطيب قام عندك يا أمير المؤمنين: ما أفصح لسانه وأحسن بيانه وأمضى جنانه وأبل ريقه وأسهل طريقه! وكيف لا يكون كذلك، وأمير المؤمنين أبوه، والمهدي أخوه، وهو كما قال الشاعر:
هو الجواد فإن يلحق بشأوهما ... على تكاليفه فمثله لحقا
أويسبقاه على ما كان من مهل ... فمثل ما قد، ما من صالح سبقا
فعجب من حضر لجمعه بين المدحين وإرضائه المنصور وخلاصه من المهدي. قال الربيع: فقال لي المنصور: لا يخرج التميمي إلا بثلاثين ألف درهم، فلم يخرج إلا بها. وقال الطبري: مات الربيع في سنة تسع وستين ومائة خلاف ما قدمناه وقيل: ان الهادي سمه، وقيل: بل مرض ثمانية أيام، والله سبحانه العلام. وفي السنة المذكورة توفي يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، كان والياً على إفريقية خمس عشرة سنة وثلاثة أشهر، وكان جواداً سرياً ممدوحاً، قصده جماعة من الشعراء فأعطاهم عطايا سنية، وهو الذى قصده ربيعة بن ثابت الأسدي الرقي فأحسن إليه، وكان ربيعة المذكور قد مدح يزيد بن أسيد بضم الهمزة السلمي، فقصر يزيد في حقه، فقال يمدح يزيد بن حاتم ويهجو يزيد السلمي بقصيدته التي من جملتها:
لشتان ما بين اليزيدين في الندى ... يزيد سليم والأعز بن حاتم
فهم الفتى الأزدي إتلاف ماله ... وهم الفتى القيسي جمع الدراهم
فلا تحسب التمتام أني هجوته ... ولكنني فضلت أهل المكارم